تذكار السيدة العذراء لبركة السنابل بقلم قداسة سيدنا البطريرك مار إغناطيوس زكا ال

بدء بواسطة matoka, مايو 14, 2011, 05:58:03 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

matoka

تذكار السيدة العذراء لبركة السنابل
بقلم قداسة سيدنا البطريرك مار إغناطيوس زكا الأول عيواص الكلي الطوبى




أيها الأحباء نحتفل في هذا اليوم بتذكار السيدة العذراء لبركة السنابل، التذكار الذي يقع في الخامس عشر من شهر أيار، وبهذا التذكار نحنُ نُطوّب العذراء مريم بناءً على نبوَّتها، وبناءً على طلبها إذ قالت: «تعظّمُ نفسي الرب وتبتهجُ روحي باللهِ مخلّصي...، فهوذا منذُ الآن تطوّبني جميع الأجيال، لأنّ القدير صنعَ بي عظائم واسمهُ قدوس ورحمتهُ إلى جيل الأجيال للذين يتَّقونهُ» (لو1: 46 ـ 48).

هذهِ نبوّة العذراء مريم عن نفسها، إذ بإلهام من الروح القدس تنبّأت العذراء عن تطويب الكنيسة لها، لأنّ القديرَ صنعَ بها عظائم.
كانَ هذا القول بعد سماع العذراء مريم ما قالتهُ اليصابات نسيبتها عندما قامت بزيارة اليصابات في بيتها، حيث قالت اليصابات للعذراء مريم بإلهام من الروح القدس: «مباركة أنتِ في النساء، من أينَ لي هذا أن تأتي أمُّ ربيِّ إليَّ، هوذا منذُ أن وقعَ صوتُ سلامكِ في أذنيَّ ارتكضَ الجنينُ في بطني، فطوبى للتي آمنَت أن يكونَ لها ذلك».

حينذاك امتلأت مَن هيَ ممتلئة بالروح القدس ـ العذراء مريم ـ وأذاعت هذا القول، قالت مريم: «تعظّمُ نفسي الربَّ، وتبتهجُ روحي بالله مخلّصي... هوذا منذ الآن تعطيني الطوبى جميع الأجيال».

مِن بدء المسيحيّة وإلى اليوم وإلى الأبد، الأجيال كلها تُطوِّب العذراء مريم، تباركها، تتشفّع بها، وتُعيِّدُ لها بناءً على قولِ القوّاقيين الفخَّاريين الذين ذكروا أنّ مار يوحنا اللاهوتي كاتب الإنجيل المقدس وكاتب سفر الرؤيا أيضاً، كان قد جاء بأسفار العذراء مريم وفيها يقول بأنَّ العذراء مريم تطوبها الأجيال وتعيّدُ لها، خاصةً أعياد ثلاثة، عيدها في بركة الزروع في كانون الثاني، وعيدها في بركة السنابل الذي نعيد لهُ هذا اليوم في أيار وعيدها لبركة الكرمة، هذا العيد نعيّد له في الخامس عشر من شهرِ آب في كلِّ سنة، وقد تحوّلَ عبر الدهور والأجيال إلى عيد انتقال السيدة العذراء مريم إلى السماء بالروح والجسد، كما سلمنا إياه التقليد الأبوي.

كل هذه الأعياد أحبائي، ترمزُ إلى أمرٍ إلهيّ وحيد، إلى تجسّدِ الله الكلمة، الله الذي ظهرَ بالجسد ـ بحسبِ تعبير الرسول بولس ـ المسيح يسوع الذي قدَّمَ ذاتهُ بإرادتهِ ذبيحةً كفاريّة عنا، وغفرَ لنا خطيئتنا الجدِّية أولاً ثم خطايانا الشخصيَّة.

وقَبلَ أن يقدم هذهِ الذبيحة الكفارية، ليلة تقديمِهِ يقول الإنجيل المقدس: إنهُ اجتمعَ معَ تلاميذهِ وعملَ فصح اليهود لآخرِ مرة وختمَ تلك الشريعة والناموس الطقسي وبدأ بالسر الإلهي ـ سرّ جسدهِ ودمهِ الأقدسين ـ عندما أخذ خبزاً وشكر وبارك وأعطى تلاميذهُ قائلاً: «خذوا كلوا هذا هوَ جسدي»، وبعد العشاء أخذ الكأس وبارك الخمر الممزوجة بالماء وأعطى تلاميذه قائلاً: «اشربوا منها كلكم، لأنّ هذهِ بعدَ أن باركتها لم تبقى خمراً إنما هذا هوَ دمي الذي يُهرقُ عن كثيرين للعهدِ الجديد». لماذا قالَ كلّكم، أحبائي؟ لأنهُ كان بين تلاميذه نساكاً زهاداً كانوا في السابق تلاميذ يوحنا المعمدان، الذين لم يذوقوا خمراً مسكراً أبداً، لذلك عندما قال: «اشربوا منها كلكم»، لأنَّ هذهِ قد أصبحت دمي الذي يُهرقُ عن كثيرين لمغفرةِ الخطايا، حتى ولو كانت تحتَ شكلِ الخمر ومذاق الخمر لكنها قد تحوّلت إلى دم المسيح بالذات، ولا تفسيرَ ولا اجتهادَ في هذا، قال: «هذا هو جسدي» (عن الخبز)، و«هذا هوَ دمي» (عن الخمر)، لذلك عندما نتناول القربان المقدس نتناول الخبز الذي هو جسد المسيح، والخمر التي هيَ دم المسيح.

بذلكَ أحبائي تحتفلُ الكنيسة بحسبِ تعاليم يوحنا اللاهوتي، ويوحنا كانَ لهُ نعمة عظيمة من الرب، أنَّ الرب وهوَ على الصليب ـ على كلّ مسيحي أن يتذكّر ـ سلَّمَ والدَتَهُ إلى يوحنا تلميذهِ قائلاً لها: أيتها المرأة هذا ابنكِِ، والتفتَ إلى يوحنا قائلاً: أيها التلميذ هذهِ أمُّك، ومنذُ ذلكَ الحين أخذها يوحنا إلى خاصتِهِ واعتنى بها، ولذلكَ عندما نقرأ ما قالهُ القوَّاقون الشعراء، أنَّ أرضَ إفسس برمَّتِها فرحت وابتهجت بل أيضاً أصبحَ فيها طَلّ ورذاذ ورطوبة تامَّة عندما أتى يوحنا بأسفار السيدة العذراء مريم التي دُوِّنَ فيها أن تحتفل الكنيسة بتذكارها.

هذا هو السرّ العظيم الزرع الذي ينمو، الحنطة الطاهرة النقيّة التي تُطحن وتُعجن وتُخبز لتكون جسد المسيح، والكرمة التي تُعطينا الخمرة الطاهرة النقيّة أي دم السيد المسيح، إذاً عندما أعطتنا العذراء مريم بحلول الروح القدس عليها وجَبَل من دمها جسداً كاملاً هو جسد المسيح يسوع، الإله المتجسّد، أعطتنا أيضاً سرَّ القربان المقدس أن تُباركَ الزروع وتباركَ السنابل وأيضاً تباركَ الكرمة ليكون ذلك جسد المسيح ودمهُ الأطهرَين، ونحنُ عندما نحتفلُ بتذكار بركة العذراء مريم للزرع وبركتها للسنابل نرى النعمة العظيمة التي حلَّت علينا، إذ منحنا الرب سرَّ القربان المقدس، لنأكلَ جسدهُ ونشربَ دمهُ ليثبتَ هو فينا ـ كما قال لنا ـ ونثبت نحنُ فيه، وإذ أكلنا أيَّ طعامٍ يتحوّل هذا الطعام إلى أجسادنا، ولكن عندما نتناول القربان المقدس نتحوَّل نحنُ إلى نعمةِ القربان بالذات، فنُصبح حقاً ثابتين بالمسيح، والمسيح ثابت فينا، وليسَ هذا فقط، فقد وَعَدنا الرب أن من أكلَ جسده وشرب دمه، لهُ الحياة الأبديَّة، ويقيمه في اليوم الأخير، أي ينال الحياة أيضاً بعدَ أن يكون قد رقدَ بالرب مُؤمناً بالرب.

هذهِ النعمة العظيمة أحبائي نذكرها دائماً، ونتقدَّم دائماً بعدَ أن نُطهِّر أنفسنا، نتقدَّم إلى هذا القربان المقدس لِنشعر أننا قد اتحدنا مع المسيح، ونكون مستعدين لذلك روحيَّاً وجسدياً، وهذا أمر أصبحَ معروفاً لدى المؤمنين كافةً، أن يكون الاستعداد الجسدي بنظافة الجسد، ثمَّ بالصيام القرباني الذي شفقةً على المؤمنين سمحت الكنيسة المقدسة لِمَن يتناول دواءً صباحاً أن يصوم فقط ثلاث ساعات، أما البقيَّة فمِن نصف الليل، هذا الاستعداد الجسدي.
أما الاستعداد الروحي فهو أن يُنقِّي الإنسان قلبَهُ من كل شائبة ويعترف الاعتراف التام، وبالاعتراف أيضاً تساهلت الكنيسة حيثُ أنها سمحت بإذنٍ من مطران الأبرشيَّة أن يكون الاعتراف عام، حيثُ تُتلى صلاة قبل الاعتراف وحيثُ يتأمَّل الإنسان بما اقترفهُ من ذنبٍ وخطيَّة، ومَن يعتقد أنهُ لم يُخطئ فيكون قد أخطأ حتى في هذا الأمر، ويندم على كل ما صدرَ منهُ ويُحتِّم أنَّهُ لا يعود إلى الخطيّة حتى أن يقبل الموت ولا يعود إلى الخطيَّة، حينئذٍ يأخذ الحَلَّة من الكاهن الشرعي ويتناول القربان المقدس على مسؤوليتِهِ التامة، وعندما يتناول المؤمن أو المؤمنة القربان المقدس يعني ذلك يتناول جسد المسيح ودمهُ.
نسألُ الرب الإله في هذا العيد وفي كلِّ أحدٍ أن يؤهلنا لنشترك في سر جسد المسيح ودمِهِ، لِنثبت في المسيح ويثبت المسيح فينا وليس هذا فقط بل أيضاً نستحق أن نكون في عِداد أولئك الذين سيُحييهم الرب في اليوم الأخير ويدخلوا معهُ ملكوت السماء الحالة التي أتمناها لي ولكم بنعمتِهِ تعالى آمين.






Matty AL Mache