المنشور البطريركي بمناسبة الصوم الأربعيني المقدس (الحياة في المسيح)

بدء بواسطة برطلي دوت نت, فبراير 28, 2011, 07:47:06 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

برطلي دوت نت

المنشور البطريركي بمناسبة الصوم الأربعيني المقدس (الحياة في المسيح)


ܒܫܡ ܐܝܬܝܐ ܡܬܘܡܝܐ ܐܠܨܝ ܐܝܬܘܬܐ ܕܟܠ ܐܚܝܕ
ܐܝܓܢܐܛܝܘܤ ܦܛܪܝܪܟܐ ܕܟܘܪܣܝܐ ܫܠܝܚܝܐ ܕܐܢܛܝܘܟܝܐ ܘܕܟܠܗ ܡܕܢܚܐ
ܘܪܝܫܐ ܓܘܢܝܐ ܕܥܕܬܐ ܣܘܪܝܝܬܐ ܐܪܬܕܘܟܣܝܬܐ ܕܒܟܠܗ ܬܒܝܠ
ܕܗܘ ܙܟܝ ܩܕܡܝܐ ܕܒܝܬ ܥܝܘܐܨ ܡ


«فقط عيشوا كما يحق لإنجيل المسيح، حتى إذا جئت ورأيتكم، أو كنت غائباً، أسمع أموركم أنكم تثبتون في روحٍ واحدٍ، مجاهدين معاً بنفس واحدة لإيمان الإنجيل».
(فيلبي1: 27)

نُهدي البركة الرسوليّة والأدعية الخيريَّة إلى إخوتنا الأجلاء: صاحب الغبطة مار باسيليوس توماس الأوّل مفريان الهند، وأصحاب النيافة المطارنة الجزيل وقارهم، وحضرات أبنائنا الروحيين نواب الأبرشيات والخوارنة والرهبان والقسوس والراهبات والشمامسة الموقّرين والشماسات الفاضلات، ولفيف أفراد شعبنا السرياني الأرثوذكسي المكرّمين، شملتهم العناية الربّانية بشفاعة السيدة العذراء مريم والدة الإله ومار بطرس هامة الرسل وسائر الشهداء والقديسين، آمين.


بعد تفقّد خواطركم العزيزة، وإهدائكم البركة الرسوليّة والأدعية الخيريّة، نقول:
يفتتح الرسول بولس رسالته إلى أهل فيلبي بتقديم الشكر لله، وطلب الأدعية منه تعالى لأجل الفيلبيين، لمشاركتهم إياه نعمة الإنجيل المقدّس، أي نعمة بشرى الخلاص، التي يتضمّنها الإنجيل المقدّس.
وبهذا الصدد يُشير الرّسول يوحنا، قبل أن يختتم الإنجيل المقدّس، إلى الغاية القصوى من كتابته بقوله: «وأما هذه فقد كُتِبَت لتؤمنوا أنَّ يسوع المسيح ابن الله، ولكي تكون لكم إذا آمنتم حياة باسمه» (يو20: 31) وهذه الحياة التي ينالها المؤمنون بالمسيح يسوع بوساطة الإنجيل، إنما هي الحياة في المسيح، ومعه على الأرض وفي السماء، وهي التي ذكرها الرب بقوله: «فتّشوا الكتب لأنكم تظنون أنَّ لكم فيها حياةً أبدية، وهي التي تشهد لي» (يو5: 39) وما تفتيش الكتب هنا الاّ دراستها بإمعان واهتمام، ومن فعل ذلك فلابدَّ أن يكتشف المسيح المخلّص الذي حوله تدور النبوات الصادقة المدوَّنة في كتب العهد القديم الموحى بها من الله، وقد كتبها رجال مرسلون منه تعالى، اتصفوا بالسيرة الصالحة، وعُرفوا بالصدق والاستقامة، وقد استؤمن شعب العهد القديم على حفظ هذه النبوات التي هي أقوال الله (رو3: 2)، فعبدها بعضهم جهلاً وضلالةً، ولم يقرؤوها بتمعّن، ولم يدرسوها بإيمان وتقوى ومخافة الرب، ليعرفوا زمن افتقادهم، لذلك وبَّخهم الرب قائلاً: «لأنكم لو كنتم تصدّقون موسى لكنتم تصدقونني لأنه هو كتب عني. فإن كنتم لستم تصدقون كتب ذاك، فكيف تصدقون كلامي»
(يو5: 46ـ 47).
إن الإنجيل أيها الأحباء، شهادة إلهية صادقة، وجسر روحي متين، يوصلنا إلى معرفة طريق الحياة الأبدية، فقد أتى المسيح إلى عالمنا لتكون لنا الحياة (يو10: 10) وهو الطريق والحق والحياة. وقد دعانا إليه لننال به الحياة، ولكن اليهود رفضوه فقال لهم: «ولا تريدون أن تأتوا إليَّ لتكون لكم حياةٌ» (يو5: 40).
والإنجيل المقدس، هو سجلٌّ صادق لما قاله الرب يسوع وعمله في تدبيره الإلهي بالجسد، لا يُملي علينا أوامر لنأتمر بها، ولا يعطينا وصايا لنتمسَّك بها، كما ولا يعدد نواهي لنبتعد عنها، إنما يقدِّم لنا خاصةً المسيح يسوع مثالاً حياً، لنتمثَّل بحياته، ونقتدي به، ونحمل صليبه ونتبعه، لننال بوساطته الحياة الأبدية. وهذا ما يقصده الرسول بولس بقوله: «عيشوا كما يحق لإنجيل المسيح»، وقد عبّر الرسول عن ذلك في موضوع آخر بعبارة أخرى حيث قال عن نفسه: «مع المسيح صلبتُ فأحيا، لا أنا بل المسيح يحيا فيَّ» (غل2: 20).
من هنا نعلم أن المسيحي الحقيقي ليس من وُلِدَ مسيحياً، أو آمن فقط بالمسيح، واعتمد باسمه، بل هو مَنْ يَحيا في المسيح، بعد أن يكون قد صَلَب ذاتَهُ مع المسيح وتغيّر إلى الطبيعة الالهية، وصار شريكاً للطبيعة السماوية، فيحيا المسيح فيه، ويصيّره مسيحاً صغيراً. فقد كان سبب تسمية أهل أنطاكية تلاميذ الرب مسيحيين (أع11: 26) هزءاً وسخرية، فقد كان أتباع المسيح، بخلاف الوثنيين واليهود، ودعاء متواضعين، محبّين حتى لأعدائهم، صادقين بمعاملتهم للناس، ومتَّصفين بصفات الإنسان الذي دعاه الرسول بولس «إنسان الله» الذي يجب أن يكون «كاملاً متأهباً لكل عمل صالح» (2تي3: 17). فأهل أنطاكية الوثنيون كانوا يجدون في هذه الصفات علامة ضعف الإنسان، وقد اتصفَ بها المسيح بالذات، لذلك سمّوا أتباعه المقتدين به مسيحيين إذ وَجدوا في كلِّ واحد منهم مسيحاً صغيراً، وصارَ اسم المسيحي في العهد الجديد موضع فخرٍ واعتزاز للمسيحي. فالمؤمنون الذين يعيشون كما يحقُّ لانجيل المسيح هم الذين قبلوا المسيح، واقتدوا بالمسيح، «فأعطاهم سلطاناً أن يصيروا أولاد الله أي المؤمنون باسمه، الذين ولدوا ليس من دم ولا من مشيئة جسد ولا من مشيئة رجل بل من الله» (يو1: 12و13). الذين يُنكرون ذواتهم، ويَحيَون للمسيح، ذلك أنَّ حياة المسيح قد صارت بدء حياة المؤمنين به، فهو رأسهم، وهم أعضاء الجسد، وكقول الرسول بولس: «نحنُ أعضاء جسده من لحمه وعظامه» (أف5: 30)، «فإن سيرتنا نحن هي في السموات» (في3: 20)، فنحن أبناء السماء.
وعلينا أن نعرف واجبنا في حياتنا على الأرض، فنحن سفراء المسيح، ورسالته المقروءة من الناس، ورائحته الزكية، ولذلك في حياتنا القصيرة الشقيّة على الأرض، والتي تُقرر مصيرنا الأبدي، علينا أن نعيش كما يحقّ لإنجيل المسيح، بدراسة قانون ملكوت الله الذي يوضّحه الرب في إنجيله المقدس. وإعلان حياة الرب في حياتنا، فإذا ما فكرنا، أو تكلمنا، أو عملنا أي شيء، علينا أن نسأل أنفسنا فيما إذا كان المسيح يفعل ذلك لو كان بموقفنا؟ فنفعل ما يريده المسيح، وبعبارة أخرى نقول له: لتكن مشيئتك لا مشيئتنا.
أجل، إننا في دراستنا الإنجيل المقدس بروح الصلاة، والتقوى، ومخافة الله، نكتشف إرادة الرب وتنكشف نفوسنا أمامنا، فنطبَّق أعمالنا، وأقوالنا، وأفكارنا، على مقياس حياة المسيح، فنحيا فيه ويحيا فينا. ونتخطّى الأمور النظرية في الدين، إلى الدين العملي، لأن الايمان بدون أعمال ميت. والمسيح السامري الصالح يريدنا أن نعرف ما هي «الديانة الطاهرة النقية عند الله الآب. فنتفقد اليتامى والأرامل في ضيقتهم، ونحفظ أنفسنا بلا دنس من العالم» (يع1: 27).
هكذا كان المسيحيون الحقيقيون في فجر النصرانية، شهوداً صادقين للمسيح في حياتهم اليومية، وبهذه الوسيلة جذبوا الناس، فدانوا للرب مؤمنين به ونالوا الحياة.
أجل، ليست هذه الحياة بالمسيح سهلة، بل تحتاج إلى ثبات، وجهاد، وصبر، واحتمال المشقّات كجنود صالحين للمسيح، ويُعتبر الإنجيل في كل هذه الأحوال العزاء في الضّيق، والرّجاء عند اليأس. ولا بدَّ للمؤمنين أن يثبتوا كما يوصينا الرّسول بولس بقوله: «أسمع أموركم أنكم تثبتون في روحٍ واحدٍ» (في1: 27). فالمؤمنون الذين يعيشون كما يحقُّ لإنجيل المسيح، لا يتقهقرون ولا ينهَزمون ولا يدحرون بل يثبتون في كل الأحوال، حتى أن الآلام تُعتبر لديهم هبة من الله، كما قال الرسول بولس أيضاً: «لأنه قد وهب لكم لأجل المسيح لا أن تؤمنوا به فقط بل أيضاً أن تتألموا لأجله» (في1: 29).
كما أن الحياة في المسيح تتطلب «وحدة الروح» فالفرد يتَّحد بالروح مع المسيح، ومع جسد المسيح السري الذي هو الكنيسة، فتكون له شركة بإنجيل المسيح، الأمر الذي شكر الرسول بولس الرب لأجله في بدء رسالته، والوحدة في المجتمع الواحد. ووحدة الروح في الأسرة الواحدة والبيت الواحد.
أيها الأحباء: يهمنا كثيراً في هذه العجالة، أن نؤكد على وحدة الأسرة. ففي عصرنا هذا أصيبت بعض الأسر المسيحية بالتفكك لابتعادها عن المسيح، فما أجمل أن يكون المسيح سيد الأسرة ورأسها!. وما أروع أن يحيا أعضاء الأسرة، كما يحق لإنجيل المسيح، وأن يستنيروا بنور المسيح، بدراسة كلمة الله الحية والعمل بها. أما إذا أبعد أعضاء الأسرة إنجيل المسيح عن دارهم، فقد أبعدوا النور الكشَّاف الذي يُريهم الرب. بل أبعدوا المسيح، ورحبوا بابليس عدوه، وبذلك تسود الرذيلة ويخيّم الظلام على تلك الأسرة ويتفاقم الشقاق والخصام بين أعضائها فينقسمون على ذواتهم، والبيت الذي ينقسم على ذاته يخرب.
وبمناسبة إقبال الصيام الأربعيني، أيها الأحباء، نحثكم على القيام بفريضة هذا الصيام المقدس كما حددته القوانين الكنسية، وبموجب العادة المتبعة، وأن تقرنوا الصوم بالصلاة والصدقة، والتوبة والعودة إلى الله، لتعشيوا كما يحق لإنجيل المسيح ثابتين على الايمان القويم غير متزعزعين.
كما ندعوكم لدراسة الإنجيل المقدس فهو مصدر الخيرات ومُعين البركات الروحية والزمنية، فالأسرة التي يجتمع أفرادها حول الإنجيل المقدس، يدرسونه بروح الصلاة، ويعيشونه في حياتهم اليومية، تملأ السعادة الروحية قلوب أفرادها، فيعرفون واجباتهم نحو الله ونحو أنفسهم، ونحو بعضهم بعضاً، فتسود المحبة بينهم، ويكرّم الصغير الكبير، ويعتني الكبير بالصغير، ويحلّ السلام والوئام، وتبقى أركان الأسرة قوية ثابتة، كالبنيان المرصوص يشدّ بعضه بعضاً، ولأنها مؤسسة على صخرة الايمان فلا تقهرها أبواب الهاوية.
فالكتاب المقدس هو أساس التربية الصحيحة الصالحة في الأسرة، كقول الرسول بولس لتلميذه تيمثاوس: «وأنك منذ الطفولية تعرف الكتب المقدسة القادرة أن تحكمك للخلاص بالايمان الذي في المسيح يسوع. كل الكتاب موحى به من الله ونافع للتعليم والتوبيخ، للتقويم والتأديب الذي في البر. لكي يكون إنسان الله كاملاً متأهباً لكل عمل صالح» (2تي3: 15ـ17) فإنسان الله هذا «في ناموس الرب مسرته وفي ناموسه يلهج نهاراً وليلاً، فيكون كشجرة مغروسة عند مجاري المياه. التي تعطي ثمرها في أوانه، وورقها لا يذبل. وكل ما يصنعه ينجح» (مز1: 2ـ 3).
ليتقبّل الرب صومكم، وصلواتكم، وصدقاتكم، وتوبتكم، ويرحم أمواتكم المؤمنين. ولينشر الرب أمنه وسلامه في العالم أجمع، وليبارك دوركم العامرة، ويؤهلكم لتعيشوا كما يحق لإنجيله المقدس، ويُفرّحكم بعيد قيامته المبارك، ونعمته تشملكم دائماً آمين.
وكل عام وأنتم بخير.


صدر عن قلايتنا البطريركية في دمشق ـ سوريا
في الثاني من شهر شباط سنة ألفين وإحدى عشر
وهي السنة الحادية والثلاثون لبطريركيتنا


http://syrian-orthodox.com/readnews.php?id=854