مقتطفات من ذكريات البروفسور باسيل عكولة البرطلي عن برطلي / 13

بدء بواسطة بهنام شابا شمني, فبراير 12, 2014, 08:54:52 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

بهنام شابا شمني

مقتطفات من ذكريات البروفسور باسيل عكولة البرطلي عن برطلي

والمنشورة في كتابه ( يوميات غجري لا يُجيد الرقص )*


* ( يوميات غجري لا يجيد الرقص ) كتاب للبروفسور باسيل عكولة البرطلي طبعة بيروت 1972 جميع احداثه تعود لما قبل سنة 1950 .
سنقوم بنشر وعلى شكل حلقات ما جاء في كتابه هذا عن ذكرياته التي تتحدث عن برطلي  .



الحلقة الثالثة عشرة



أريد أن أتكلم عن والدي ، فأقول عنه أشياء كثيرة . أنا ، على ما يظهر ، صورة مصغرة له . والآن أحاول ، وأنا أكتب ، أن أتخيل ملامحه فلا أستطيع . أتذكر جيدا (( اليشماغ )) الأبيض ـ الأسود على رأسه . أتذكر حذاءه الأحمر البلدي وسرواله . أتذكر قامته القصيرة واسمراره وشعره الأبيض ، أما سائر ملامحه المميزة فقد ضاعت إلى الأبد ، مع إنني كنت في الثامنة عشرة من عمري يوم وفاته . إن صغرى شقيقاتي تتحدث عن لون عينيه وتفاصيل وجهه بدقة متناهية ، وكأنها غادرته أمس ، فلماذا لا أتذكر أنا شيئا عنه ؟ شاهدته يموت على مهل وينطفئ كسراج نفذ زيته ، فتأملته طويلا وهو يفلت من يديها كطائر لا تقوى على القبض عليه . الموت والحب وحدهما قادران على جعل الصورة حية ودقيقة وأبدية .   
لم أكن أتوقع موت والدي . كيف أتحدث عن التعاسة التي عشنا فيها بعد غيابه . أصبحت والدتي تبحث ـ وقد فقدت معيلها ـ عن القرش في كل مكان فلا تجده . فعلت كل شيء مع شقيقاتي ما عدا التسول . كانت في موسم الحصاد تجري وراء الحصادين من الصباح إلى المساء لتلتقط بعض السنابل المتساقطة من مناجلهم ، حتى إذا تجمعت كمية منها كل أسبوع تبدأ بدقها مع شقيقاتي بخشبة غليظة أو حجرة ، ثم تذريها لتعد لنا منها خبزا وبرغلا . كانت صغرى شقيقاتي تقصد قرية قريبة منا تبعد نحو خمسة كيلومترات مشيا على الأقدام ، ومعها ثلاثة أرغفة شعير وقليل من القصب هو كل فطورها وغذائها لتجمع من حقول البصل ما أهمله أصحابه . فتشتغل من الصباح إلى المساء لنا . وهكذا كانت تفعل في موسم القطن والطماطة . كان القطن مهم جدا بالنسبة إلينا : الأبيض لثياب النساء والأصفر (( الصابوري )) لثياب الرجال . كان (( الصابوري )) مناسبا . فهو بلون الأرض لا يظهر الغبار عليه ، قويا يقاوم كل الظروف ، تهترئ أقدام لابسه ولا يهترئ . كانت والدتي وشقيقاتي يجمعن جوز القطن وينزعن قشوره وهن جالسات في الشمس وراء الحائط ، ثم يغزلنه بدولاب خشبي يعود إلى عصور ما قبل التاريخ . وكانت والدتي تستيقظ قبل الفجر بساعات وتنام نحو منتصف الليل ، فأنام وأستيقظ على صوت صفير دولابها . كان عملا مملا ومنهكا تقوم به وكأنها في كنيسة تصلي . لم تكن تكتفي بغزل ما جمعته شقيقتي من القطن لثيابنا ، بل كانت تعمل أجيرة لدى الآخرين ، فلا تنقطع طيلة الشتاء عن ذلك . كنت أسمعها تغني بلغتنا أغنية حزينة حفظت منها بيتا واحدا : فرح بلا طعم تملؤه الشياطين . أظن إنها كانت تعزي نفسها على تعاستها وتحاول تبرير حالتها بالرجوع إلى تربيتها الدينية الصارمة ، فترى في اللذة أمرا عابرا شريرا . يا للمسكينة . لا أدري عن أي فرح كانت تتحدث ؟ لم أشاهد حذاء في قدمها ولا ثوبا ملونا على جسدها . كانت تلبس السواد دائما . كل ثيابها كانت من صنع بلدي ومن غزل يديها .
هل احست بلذة مع والدي في خلوتهما ؟ اظن ان الجماع نفسه كان بالنسبة اليها عملية مفروضة غايتها الانجاب وارضاء الرجل . يختار هو الوقت والمناسبة ويحدد كل التفاصيل . بماذا كانت هذه العملية تختلف عن عملية التناسل لدى الحيوانات ؟ كانت القبلة محرمة واللقاء الشخصي مستحيلا . كانوا ـ على ما يروي عمي ـ يبحثون عن وسيلة للجماع تجعلهم بعيدين عن الانظار ، فلا يجدون غير اللجوء الى الحقول في ايام الربيع الاخيرة او في موسم الحصاد . كان الناس كثيرا ما ينامون ، ثلاث او اربع عائلات ، في غرفة واحدة الى جانب بعضهم البعض او على السطوح . وكثيرا ما اخطأ الاخ ، فنام الى جانب امرأة اخيه ، حتى اذا اندس واحس هو او هي بالامر قام خجلا وراح يبحث عن امرأته . كانت الاخلاق صارمة كمناخنا . فلم اسمع بحادثة زناء في حياتي . كانت قضية الجماع مشكلة يحسب لها الف حساب وترسم لها الخطط الدقيقة لانجاحها في تلك البيئات المختلطة . وطالما عاد الرجل الى البيت من عمله فجأة بحجة ما حتى اذا شاهد امرأته وحيدة قاما بالعملية في دقائق معدودات وهما قلقان ، عيونهما على الباب وآذانهما ترقبان اقل حركة . حتى اذا تحركت قطة في صندوق المؤونة انقطعا عن العمل فجأة كمن اصابته صاعقة . ما هذه اللذة التي تملؤها الشياطين التي كانت تتحدث عنها والدتي في اغنيتها كل مساء ؟ لا اعلم حتى الان . لكنني اتساءل كيف يتمكن انسان ان يعتبر تعاسته لذة وعذابه فرحا ؟ كان الدين والايمان بما وراء الحياة الجوابين الوحيدين . ولدنا على اثر عملية تناسلية لم يتسن فيها لوالدي ان يقبل والدتي ا وان يقول لها : احبك ، او يا حبيبتي . كانوا يبحثون في الجماع عن استمرارهما بالانجاب ، وهذا دليل على تعاسة لم تكن تشعر بالتعاسة .
قلت ان والدتي كانت تلبس السواد دائما . وكان هذا شأن شقيقاتي وكل الفقيرات في قريتنا وفي اكثر القرى المجاورة . فالالوان كانت علامة الثروة كما كان الذهب على الرؤوس والاساور والخلاخل و ( الخزامة ) والاقراط و ( الجرجر ) وغيرها من الحلى . لم ار قطعة ذهب ولو صغيرة على راس والدتي او شقيقاتي ولا في يد او رجل احداهن . كانت والدتي تعد كلا من شقيقاتي بان توفر شيئا من المال لتشتري لها خاتما رقيقا من الذهب في عيد الميلاد . فياتي الميلاد وتعقبه ميلادات ولا ارى شيئا يلمع في اصبع واحدة منهن . كانت ايام الاعياد تناقضا صارخا بين شقائنا ورفاه البعض . نعم ، كانت مناسبة تذل فيها القلة الغنية ـ وبينها عائلات الكهنة ـ الاكثرية الكادحة التعسة . كانت والدتي والفقيرات من النساء يبدون كغربان حقيرة امام الطواويس وهي تعرض غناها بشكل فاضح لاظهار الفارق الطبقي . ومع ذلك كانت ترى ان توزيع الثروة هو عمل الله وان الفقر مقدر فتتحمله بصبر وفرح وهي تفكر في ملكوت السماوات . لم تفكر ابدا بان تلك البقرات الغنيات امتلكن الارض من وراء ذلك الاستسلام الناتج عن عمل تحريفي لروح الانجيل وعدالته .

يوسف الو

بوركت أيها البروفيسور العظيم فقد جعلتنا نعيش تلك الأيام السوداء التي عاشها آبائنا وأجدادنا ونعايشها معا ولو مع لحظات قراءة سطور من كتابك الذي يحكي معاناة شعب وليس قرية أو مدينة أيام التسلط الأعمى للأغنياء على رقاب الفقراء البسطاء وهم يلاحقونهم حتى في بساطة ورداءة عيشهم ليكونوا رهن أشارتهم متى ما أرادوهم يضاف لها التسلط الأعمى للكنيسة بأسم الدين وعلى مسمع ومرأى من لدن الجميع ! نعم كانت حياة صعبة للغاية وكان بالأمكان جعلها أبسط وأسهل من ذلك بكثير لو كانت الكنيسة والأغنياء قد حاربوا الأستبداد والتسلط وفرضوا المساواة بين أبناء الشعب , لتكن تلك المآسي التي عاشها أبائنا وأجدادنا عبرة لنا ولأجيالنا في المستقبل كي نتمكن ويتمكنوا من الوصول الى الهدف المنشود وهو المساواة الكاملة بين أبناء البشر في كل مجالات الحياة وأن يعيش الأنسان سعيدا ويقضي حياته وقد حقق كل أمنياته ليغادر بعد ذلك هذه الحياة وهو راض على ما قدمه لنفسه ولغيره .

shamoonatran

بوركت ابن اختي العزيز بهنام وبورك موقعنا العزيز الذي هو الموقع المفضل لنا جميعا وخاصة نحن في بلاد الغربه القاسية نحن هنا جسدا ولكن عقلاني ودمنا في بلدنا العزيز العراق والي ما يحب العراق وما يحب عاصمته العزيزه بغداد ما اضن يحب اي شي ربي احفظ أهل العراق بصورة عامه. سبق وان حصل لي الشرف  بمقابلة البروفيسور البرطله فعلا ابن برطلة العزيزه ونمت اجلس معه ساعات وكأنها ثواني  أرجو الاستمرار علئ النهج الرائع والاهتمام برموز اولاد برطله العزيزه في بقاع العالم  اتمنى لك كل الموفقيه والرب يرعاكم دائما في خدمة  قريتنا وليست مدينتا يا ليتها تعود تلك القريه السريانية الرائعه كما كانت ودمتم

MATTIPKALLO

اعتقد بان هذا جزء من تاريخ برطلي،  وسؤالي، لماذا لا ندعوا الى اعادة طبع هذا التاريخ،  كما  يترجم الى اللغة الانكليزية، ليتنسى  للشباب المغترب، بقراءة جزء من تاريخ بلدتهم"برطلي" .

متي كلو