ما كتب عن المرحوم الخوري الياس شعيا البرطلي
المرحوم الخورفسقفوس الياس شعيا البرطلي
في شهرآب من عام 1942 كنت أتوقل مع الغروب الحالم طريق الطبكي قاصداً دير مار متى المعلق كعش السنونو في جبهة ناتئة من جبل الألوف (المقلوب) كما وصفه الرحالة باري. وعندما بلغت بوابة الدير الكبيرة، التقيت للمرة الأولى، بالقس الياس شعيا.كان طويل القامة، نحيفاً قوياً، حسن الصورة، تبدو على لحيته بداية الكهولة. سلمته رسالة كانت في جيبي، وقلت له، من وكيل الدير الخواجة بطرس عبد الأحد موسى، وقرأ الرسالة وقال وهذا شقيقك؟ فقلت له أجل، إنه أخي بهنام. وانخرطنا في مدرسة دينية أسسها في الدير، خيم على أجوائها نظام أشبه بنظام العسكريين. وشعرنا برفاهية في أجواء الدير، ووضع لنا نظاماً نفذ بحذافيره، وجمع الرهبان على مائدة واحدة، ومنع الدعوات الخاصة من الزوار، وحتى العامة، وأصدر أمراً بجلب الطعام إلى مائدة الرهبان، ووحد الطعام، فلا فرق ما بين الرئيس، وأصغر طالب.ولم تنته تلك السنة حتى إستقال وأعقبه الراهب صليبا الكعباوي، فعمت الفوضى في جنبات الدير، وشعرنا بذل، وانتهت كلياً المدرسة التي أسسها إلا من بعض دروس نتلقاها من الإنجيل، وبعض التراتيل نتعلمها من رهبان سذج، هم أقرب إلى الأميين منهم إلى المتعلمين.
واذكر، أن برطلة، يومذاك، برمتها. كانت تلهج بذكر ألخوري الياس شعيا. إذ أظهر عزماً منقطع النظير. في خدمة الطائفة في برطلة. يساعده في تنفيذ مشاريعه عشيرته، ويدعمه كلياً الدكتور عبد الأحد عبد النور نائب الموصل يومذاك، ناهيك عن صداقاته مع رجالات الموصل، وأثريائها من المسلمين. ولا بد لي من كلمة عابرة أقولها عن أسرته. فأسرة شعيا، تمتاز بطول فارع، وجمال رجولي فائق، وقوة عجيبة، وإقدام، وهم في أرثوذكسيتهم أقحاح، كعادة شعب برطلة، وأذكر ابني عم المترجم وهما حنو ومتي، وحدهما استطاعا أن يأسرا أربعة وعشرين رجلاً، والخوري شعيا ذاتهُ، كان أشبه برجالات التوراة الأقوياء. وبرز في القوة أيضاً بهنام شعيا، الذي استطاع ان يصدَّ حصان آمر الشرطة من الهجوم عليه، إذ مسكه من رسنه بيده اليمنى، وحاول آمر الشرطة بقوة ان يجعل الحصان يهجم، ولكنه لم يتمكن فتأمل.!
وعندما، كان الخوري الياس شعيا ، يمشي، كنت تشعر وكأن الأرض تهتز تحت رجليه وإذا امتطى صهوة الحصان، تراءى لك وكأنه أسد يرمق شيئاً يستفزهُ.
واستطيع حصر أعمال الخوري الياس هكذا:
1- رفع الفوضى من كنيسة برطلة.
2- رفعَ من قيمة الكهنوت، وكان رصيناً، أدبياً بين الناس، حكيماً، مهيباً.
3- شجعَ العلم، اذ أسس مدرسة درّس فيها، ثم شاد مدرسة إبتدائية للحكومة، بناها شعب برطلة الغيور، اذ اشترك فيها كل من يستطيع أن يعمل، حتى الشيوخ مساهمين بذلك حتى بالمال. واذكر جيداً حادثتين عنه كانتا بطولة، ومجداً.
شعر أن أملاك دير مار متى مهددة بالضياع، إذ إبتدأ أهل ميركي يقولون أن الأراضي ملكنا، واخذ أهل بعشيقة من اليزيديين يحرثون الأراضي التي تجاورهم. وإنني أذكر، أنني طالعت، في مجلة الحكمة، التي كانت تصدر في دير الزعفران، خبراً عن انتصار الدير على خالدوك (آغا) من قرية دوبردان، كيف أراد أن يستولي على أملاك الدير، وقال لي المرحوم الراهب اسحق جيوا أن خالدوك شهر عليه مسدساً أكثر من مرة يريد قتله.
واذكر أن الدكتور عبد الأحد عبد النور لعب دوراً كبيراً يومذاك، إذ دعا إلى زيارة الدير لمدة ثلاثة أيام، مدير المساحة السيد عارف العارف، وجميع موظفيه، ودعا إلى الدير جميع مختاري قرى النافكور، فوّقَعوا ان الجبل المقلوب، ملك دير مار متى، ووقعوا على حدوده التي رسمتها دائرة المساحة، وحدثني المغفور له الخوري الياس شعيا، بأنه سمى الأماكن الأثرية كلها بأسماء سريانية. والحادثة الثانية، يوم سجّل دير الربان مار دانيال بأسم الوقف. كانت المعركة حامية، اذ تصدت له ،أسرة يونس يالا،التي قالت أن الدير للطائفة ولكن الأراضي ملكنا. وانتصر الخوري الياس بعد جهد مستميت، بذله في سبيل ذلك، وأذكر تلك السفرات المتواصلة التي كان يقوم بها إلى بغداد، وللدكتور عبد الأحد عبد النور اليد الطولي في تنفيذ هذا المشروع، ولكن يد الموت عاجلته قبل أن ينتهي المشروع، وكان الله مع الخوري الياس فأنهاه، وكانت أفراح في برطلة. اذ سر لها الشعب أي سرور.
لم يكن الياس شعيا من الأعلام الماهرين في فنون العلم، اذ كان إداريا أكثر من كونه عالماً، لكنه كان يجيد السريانية، اذ تعلمها من مصدر ثقة هو الشاعر المعروف يعقوب ساكا البرطلي، فنظم فيها ديواناً نشره الأب الربان اسحق ساكا وبدوره نظم أناشيد سريانية، وترجم رواية جنفياف إلى السريانية، وكان حظه من العربية ضئيلاً، أما صوته فناعماً فيه حلاوة، ولعله أول من أسس مدرسة أحدية في برطلة. وكان بسيطاً، طيب القلب. أذكر أنه عندما إطلع على (صندوق الدنيا) وقد صنع صغيراً توضع فيها صور فيها مناظر طبيعية خلابة، كان يُسرّ كالأطفال لرؤيتها.
وفي بدء رسامته، لاقى حملة عنيفة من رجالات برطلة، وأصر على تنفيذ أفكاره، فلما أبى الشعب أو المتقدمون منهم، قدم إستقالته وإنزوى في دير مار متى، وتداخل يومئذ الدكتور عبد الأحد عبد النور، ووافقه وأيده، فعاد مكرماً، مبجلاً، وفعلاً نفذ كل الأفكار الإصلاحية التي كان يعانيها.
ولد الخوري الياس شعيا سنة 1895 ورسمه البطريرك الياس الثالث عام 1928 قسيساً لكنيسة سنجار، ثم أمر بتعينه لكنيسة القديسة شموني في برطلة.
وفي عام 1945 رقاه خورياً البطريرك العلامة أفرام الأول برصوم وأمر أن تسجل حادثة مار دانيال في جميع سجلات أبرشية دير مار متى. بقي، أن لايغيب عن بالنا، أنه وقف ذات يوم أمام مذبح الكنيسة في برطلة، وقال:
أوقفت بيتي لدير مار متى، أما أملاكي، فقد أوقفتها لكنيسة القديسة شموني في برطلة. ولم ينجب أولاداً.
وعندما أنتخب سيدي الحبر الأعظم العلامة مار اغناطيوس يعقوب الثالث، بطريركاً انطاكياً وتربع على السدة البطرسية، سرّ لها المترجم أي سرور، وبقي مدة سنة ملازماً الكرسي الإنطاكي، وكان محبوباً من قداسته، وأهداه صليباً عربون محبته، وخدمته الطويلة في حقل الكنيسة، وجرت بينهما مراسلات أدبية وتاريخية يوم كان بطر يركنا العلامة، رباناً في الكنيسة الهندية السريانية، ولكليهما إشراقة في أدب السريان، ولا أدري ماذا حلّ بتلك الرسائل التي خطّت بالسريانية.
هذا وترك الخوري الياس شعيا، مكتبة- أكثرها مخطوط- فيها أكثر مؤلفات العلامة ابن العبري المتداولة بيننا، ومؤلفات ابن الصليبي- بعضها- والرهاوي، وغيرهم. وبعض الكتب العربية. ترى ماذا حل بها بعد رحيله الأبدي؟
وفي اليوم الخامس من حزيران من عام 1970 طُيّرت برقية إلى الصرح البطريركي تنعى إليه رحيله، ورقاده على رجاء القيامة، بعد أن إنهدمت تلك القوة التي كان يملكها. وأصيب بداء السكري منذ عام 1963 وبدأ يشكو منه، حتى أقعده، فاختلى في بيته، حتى ودع الحياة.
سيبقى صورة متربعة في مخيلتي، على أنه بطل من أبطال الجهاد، ورائعة برطلة، أم العلماء، وصنديداً آخر توارى من أسرة شعيا. وإن نسيت، لا أنسى فضله عليَّ، إذ أحبني حب داود ليوناثان ، وعطف عليَّ ، وأحياناً كثيرة كان يتنبأ عني بأنني سأكون جندياً صالحاً في خدمة الكنيسة.
الأب يوسف سعيد
صور لتشييع جثمان المرحوم الخوري الياس شعيا البرطلي
(http://www.baretly.org/uploads/14368216422.jpg) (http://www.baretly.org/)
(http://www.baretly.org/uploads/14368216436.jpg) (http://www.baretly.org/)
(http://www.baretly.org/uploads/14368216437.jpg) (http://www.baretly.org/)
(http://www.baretly.org/uploads/14368216438.jpg) (http://www.baretly.org/)
(http://www.baretly.org/uploads/14368216423.jpg) (http://www.baretly.org/)
(http://www.baretly.org/uploads/14368216439.jpg) (http://www.baretly.org/)
(http://www.baretly.org/uploads/143682164310.jpg) (http://www.baretly.org/)
(http://www.baretly.org/uploads/14368219141.jpg) (http://www.baretly.org/)
(http://www.baretly.org/uploads/14368219142.jpg) (http://www.baretly.org/)