قصيدة الدراجي طائفية خطيرة في وقت حرج

بدء بواسطة صائب خليل, يونيو 11, 2011, 12:00:59 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

صائب خليل

في هذه الأيام الحبلى بالأخطار، تأتي قصيدة الشاعر العراقي فالح حسون الدراجي الشعبية "بعد ماننطيهه" كخبر ليس ساراً أبداً. ففيما عدا سطر او سطرين كأنهما وضعا احتياطاً كخط دفاع عند الحاجة، فالقصيدة تنبض ليس بالطائفية فحسب وإنما بالتمسك بالسلطة التي "كسبت بالدماء".
ومن الغريب فعلاً أن يلجأ الشاعر إلى عبارة قيلت، او أفلتت خطأً من صاحبها، في وقت ما، واعتبرت من العبارات السيئة التي استمسك بها "السنة" كدليل على طائفية الساسة الشيعة، ولم يعد إليها هؤلاء ثانية، فلماذا يعيدها الدراجي إلى أذهان الناس ويثبتها في ذاكرتهم بما توحي به من مشاعر سلبية تجاه المقابل الذي يدافع عنه؟

الأسطر اليتيمة في القصيدة بأن " أحنا شيعة وسنة واكراد ومسيح ... و .. أنتو خذتوها بتآمر وارتياب
واحنا خذناها بورق وبإنتخاب.. وكذلك ... تريد تاخذها أخذها بانتخاب، وآنا ازفنها بدي وانطيها..أما سالفة القتل أنسيها.
هذه الكلمات القليلة  تضيع في بحر الأبيات التي توحي بالعكس، وهي لا تكفي لمحو الإحساس الطائفي في القصيدة وتركيزها الحديث عما هو خاص بالشيعة دون غيرهم. مثل الحديث عن كبور النجف دون غيرها، وكأن لم يقتل سنة في البلاد.

ومما جاء في القصيدة:

إحنا خذناها وفلا ننطيها
إحنا خذناها على روس الحراب
ومن أجلها نطينا آلاف الشباب
....
لو دمانا تغطي جبال وسهول،
جذب ننطيها بعد لا والرسول

ومن الواضح أن الأبيات التالية لا تتحدث عن البعث، وتقول بصراحة أن من لا يقبل عليه أن يرحل: إنه منطق قريب جداً من روح الحديث الذي تحدث به الصهاينة في فلسطين، بكل الأسف! يقول الدراجي:

ما ننطيهه بعد لا مستحيل
حتى لو بينا الأرض تجفي وتميل
اللي يريد يشيل، الله وياه يشيل،
واللي يبقى يريد، يقبل بيها
إحذنا خذناها وفلا ننطيها!

ويقول:

إحنا أبناء الحسين وكربلاء
شلون لحلوك العوج ننطيها

إضافة إلى ذلك فالقصيدة تخلط في نهايتها بين البعث والعروبة والعقيدة والتراث وتجعلها جميعاً أشياء كريهة من نوع واحد، وهو خلط يثير القلق، خاصة في جو يكثر فيه الهجوم على كل ماهو عربي، ويتم الترويج لمفاهيم عنصرية مضادة لهم، في دعوة لتقديم التنازلات والتساهلات للأمريكان في السيادة، مثل هذا الوقت. فيقول:

عمي كافي متنا من البعث والإنبعاث والرسالة والعقيدة (والعروبة) والتراث
أنتو مال من الجذر حش واجتثاث، حتى مايضل عرك إلكم بيها
ولك ميت جيل وماننطيهه، الف جيل وأبد ما ننطيهه

ما الذي يفهم من "العرك" هنا، وكيف سيفهمه الناس؟ وفي الديمقراطيات يكون الحكم سعيداً إن جدد ولاية ثانية، فأية ديمقراطية تؤمن بتداول السلطة، تأمل أن تبقى مئات وآلاف الأجيال؟
لقد ترددت، هل من الأفضل الكتابة والرد، بما يحمل من نشر إضافي للقصيدة، ام السكوت؟ فضلت الأول لأني متأكد أن القصيدة ستنتشر، فالجو المكهرب كفيل بنشرها كالنار في الهشيم، ومن الأفضل التحذير منها ومن الكتابة بمثلها مستقبلاً.

من المعروف في الأدب أن ثيمة القصيدة أو الأغنية، وهي الجزء البسيط اللحن والكلمات، المعاد تكراراً في القصيدة أو الأغنية، وكذلك الجزء العنيف العاطفي فيها، هي ما يبقى في الذهن والذاكرة، وليس التفاصيل، فما سيبقى لدى من يستمع إلى قصيدة الدراجي أو يقرأها، هو تحدِ من الشيعة للسنة بأنهم استلموا الحكم ولن يعطوه أبداً، ومن يريده عليه أن يأخذه بأية طريقة، إن استطاع إلى ذلك سبيلا!

هذا يعيدني للقول، بأن بضعة كلمات وضعت هنا وهناك كخط رجعة ودفاع جاهز ضد من ينتظر أن يتصدى للقصيدة، ليست كافية لتبرئة القصيدة والشاعر، ولا تعني الكثير. فالحديث كان بوضوح عن الدفاع عن السلطة وليس عن الديمقراطية رغم التمويهات. إن ما يحتاجه البلد والشعب، خاصة في هذه اللحظة، ادب يخرج منه المتلقي أكثر رقياً وأقل طائفية وعنفاً، وأكثر ديمقراطية واعتزازاً بالحداثة، ولا يرى في خروج السلطة من يده كارثة دموية، كما توحي به انفعالات القصيدة.
فالأثر الأدبي والفني بما يخلفه من انطباع في رأس المتلقي، وليس بما يضيفه من خطوط حذر في تفاصيل كتبت من أجل محامي الدفاع في محكمة. لقد كتب الدراجي قصيدته مثل من يهز رأسه يميناً ويساراً بقوة كمن يقول "لا"...ولسانه يهمس: "نعم". الأولى ليعبر عما يريد ويوصله إلى من يريد، والثانية لكي لا يمكن إمساكه من لسانه.

ليست هذه هي الروحية المطلوبة لإنقاذ العراق، وهي بالتأكيد ليست الهدية المناسبة لشعبه في هذا الوقت، بل لأعداء هذا الشعب، وليس عندي شك أنهم سيفرحون بها.