الذي ليس له باب يغلق ليست له صلاة تسمع

بدء بواسطة الشماس سعد حنا بيداويد, أغسطس 20, 2012, 06:15:35 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

الشماس سعد حنا بيداويد

الذي ليس له باب يغلق ليست له صلاة تسمع
فالصلاة هي الينبوع السري الذي يمنح للخدمة و للعمل و الوعظ قوتها و فاعليتها . فسر اندهاش الناس من السلطان و القوة التي كان يعلم و يعمل بها المسيح , كان منبعها الصلاة السرية التي كان يتحدث فيها مع الأب حيث القوة و السلطان و رفع الفكر و الإرادة لتتعادل مع الذي للأب . لان في الصلاة ترتفع قوى العقل و الروح لتبلغ كمالها فيما هو للأب :" أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ أَكُونَ فِي مَا لأَبِي؟" ( لو 2: 49 ) . أما الخلاء بالنسبة للصلاة فهو للحديث سرا مع الأب و لا رقيب ليسخن قوى النفس في الهدوء بلا انزعج , و لتشبع الروح من منابع الصفاء الإلهي . و بقدر ارتفاع سعة الصلاة و علوها و امتدادها .
هذه الوصية قالها بولس الرسول بالروح لابنه تيموثاوس , الذي صار فيما بعد أسقف بعد يوحنا الرسول , و هي حقا تليق بوصية رسول لابنه بالروح . و قد اخترناها لك أيها القارئ العزيز , بروح أبوية , إذ نحن أبناء بالروح , ليس لبولس فقط , بل للمسيح نفسه له المجد .
فلو سألتني ما أعظم وصية قيلت في الإنجيل تناسب حالة الإنسان الآن و في هذا العصر , لما ترددت أن أقول " أمسك بالحياة الأبدية التي إليها دعاك الرب " . و لما يدعو الرب , تكون دعوته خارجة من صميم رسالته التي جاء ليتممها للبشر . و ليس غريبا عليك أن نخبرك أن المسيح استعلن للبشر بصفته الحياة الأبدية , هذا يقوله الإنجيل ( وَنَعْلَمُ أَنَّ ابْنَ اللهِ قَدْ جَاءَ وَأَعْطَانَا بَصِيرَةً لِنَعْرِفَ الْحَقَّ. وَنَحْنُ فِي الْحَقِّ فِي ابْنِهِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ. هَذَا هُوَ الإِلَهُ الْحَقُّ وَالْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ. 1 يوحنا 5 : 20)
و نحن نوضح ما عرفناه عن المسيح أنه جاء من عند الأب ليؤهلنا بالنهاية أن ندخل الحياة الأبدية . و بولس الرسول يقول عن وعى و دراية , أنه لا يحيا بل المسيح يحيا فيه , فما يحياه بالجسد يحياة بالإيمان بيسوع المسيح (مَعَ الْمَسِيحِ صُلِبْتُ، فَأَحْيَا لاَ أَنَا بَلِ الْمَسِيحُ يَحْيَا فِيَّ. فَمَا أَحْيَاهُ الآنَ فِي الْجَسَدِ فَإِنَّمَا أَحْيَاهُ فِي الإِيمَانِ، إِيمَانِ ابْنِ اللهِ، الَّذِي أَحَبَّنِي وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِي. غلاطية 2 :
أي أن المسيح هو حياتنا بالإيمان . أما الطريق الذي اختطه المسيح ليصبح هو حياتنا , فهو القيامة المجيدة التي قامها بالجسد , و بذلك يكون " قد أقامنا معه " ( وَأَقَامَنَا مَعَهُ، وَأَجْلَسَنَا مَعَهُ فِي السَّمَاوِيَّاتِ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ، افسس 2 : 6 ) , لأننا " جسد المسيح و أعضاؤه " ( وَأَمَّا أَنْتُمْ فَجَسَدُ الْمَسِيحِ وَأَعْضَاؤُهُ أَفْرَادا
1 كورنثوس 12 : 27 ) . و المسيح الآن حي مع الأب و قد جلس على عرشه في يمين الأب ( الَّذِي عَمِلَهُ فِي الْمَسِيحِ، إِذْ أَقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ، وَأَجْلَسَهُ عَنْ يَمِينِهِ فِي السَّمَاوِيَّاتِ، افسس 1 : 20 - وَأَقَامَنَا مَعَهُ، وَأَجْلَسَنَا مَعَهُ فِي السَّمَاوِيَّاتِ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ . افسس 2 : 6 ) و أورثنا هذه الحياة الأب و الابن , و هي هي الحياة الأبدية التي يدعوك المسيح إليها 
و دعوة الحياة الأبدية هي بالنسبة لنا إنقاذ سمائي من حياة هذا الدهر , الذي ازدادت همومه و أوهامه و تيهانه إلى أقصى حدود التيه و الضلالة , حتى أصبح بلا تهويل بل بالحق كل الحق , أن الذي يماشى هذا الدهر و يلهو بملاهيه , لا نقول انه قد ضل , بل يكون قد كتب بخط يديه انه تغرب نهائيا عن المسيح و دعوته , و هو يعيش حياة الموت راضيا باختياره . و لهذا الإنسان , كان من كان , أتت دعوة المسيح للنجاة من موت و حرمان , و هي أن " أمسك بالحياة الأبدية التي إليها دعيت " . و الحياة الأبدية التي جاء المسيح يدعو إليها هي الإنقاذ الوحيد من حتمية موت الهلاك الذي يتربص بالإنسان , و بالتالي هي خلاص أبدى من الخطية المؤدية إلى الهلاك . فالذي يعمل الخطية راضيا يكتب على نفسه موت الهلاك , لهذا يصرخ الرسول : " أمسك بالحياة الأبدية التي إليها دعيت " .
فدعوة الحياة الأبدية و رجاؤها هي المنقذ الوحيد الذي ينتشلنا من تيار الهلاك الذي يحصد الملايين . و هنا الموت أمامك , و أمامك أيضا الحياة " فاختر الحياة لكي تحيا " (أُشْهِدُ عَليْكُمُ اليَوْمَ السَّمَاءَ وَالأَرْضَ. قَدْ جَعَلتُ قُدَّامَكَ الحَيَاةَ وَالمَوْتَ. البَرَكَةَ وَاللعْنَةَ. فَاخْتَرِ الحَيَاةَ لِتَحْيَا أَنْتَ وَنَسْلُكَ . تثنية 30 : 19) , و لا تمت بلا رجاء .
تسألني : كيف أمسك بالحياة الأبدية التي يدعو إليها المسيح ؟ أقول لك باختصار أمسك بالمسيح نفسه , افهم لماذا جاء المسيح ليبشر بالحياة الأبدية ؟ لأن العالم و ما يعلمه العالم هو " شهوة الجسد و شهوة العيون و تعظم المعيشة " (لأَنَّ كُلَّ مَا فِي الْعَالَمِ شَهْوَةَ الْجَسَدِ، وَشَهْوَةَ الْعُيُونِ، وَتَعَظُّمَ الْمَعِيشَةِ، لَيْسَ مِنَ الأب بَلْ مِنَ الْعَالَمِ. 1 يوحنا 2 : 16 ) , و لهو النفس بملاهي لا حصر لها . المسيح جاء ليبشر بملكوت الله و الحياة الأبدية التي هي ضد الباطل و هي جحد الجسد و ملذاته . فبالقطع قطع المسيح " أنا لست من ( هذا ) العالم " ( أَنَا قَدْ أَعْطَيْتُهُمْ كلاَمَكَ وَالْعَالَمُ أَبْغَضَهُمْ لأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنَ الْعَالَمِ كَمَا أَنِّي أَنَا لَسْتُ مِنَ الْعَالَمِ . يوحنا 17 : 14 ) . و كما يدعونا للحياة الأبدية , يدعونا أن نعطى ظهرنا لعالم الجسد و الأهواء و الشهوات , حتى نصبح كالمسيح , أي نكون " لسنا من العالم " (  لَيْسُوا مِنَ الْعَالَمِ كَمَا أَنِّي أَنَا لَسْتُ مِنَ الْعَالَمِ. يوحنا 17 : 16) .
و أن نمسك بالحياة الأبدية , ندوس عالم الجسد و الشهوات , إذ لا يمكن لإنسان أن يعيش لهذا العالم و في نفس الوقت يعيش لله و الحياة الأبدية ( لاَ يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَخْدِمَ سَيِّدَيْنِ لأَنَّهُ إِمَّا أَنْ يُبْغِضَ الْوَاحِدَ وَيُحِبَّ الآخَرَ أَوْ يُلاَزِمَ الْوَاحِدَ وَيَحْتَقِرَ الآخَرَ. لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَخْدِمُوا اللَّهَ وَالْمَالَ. متى 6 : 24 ) . لهذا يوعينا يوحنا الرسول أن : لا تحبوا (هذا) العالم ......فالعالم يمضى و شهوته " ( لاَ تُحِبُّوا الْعَالَمَ وَلاَ الأَشْيَاءَ الَّتِي فِي الْعَالَمِ. إِنْ أَحَبَّ أَحَدٌ الْعَالَمَ فَلَيْسَتْ فِيهِ مَحَبَّةُ الأب............ وَالْعَالَمُ يَمْضِي وَشَهْوَتُهُ، وَأَمَّا الَّذِي يَصْنَعُ مَشِيئَةَ اللهِ فَيَثْبُتُ إِلَى الأَبَدِ. 1 يوحنا 2 : 15-17 ) . و الأشياء التي في العالم هي فخاخ نصبها الشيطان ليصطاد بها الجهلاء و محبي التوافه . و قد تفنن العالم حديثا فجعل للخطية تاجا يضعه الشيطان على رؤوس من يطأطئون له الرأس . كما جعل للباطل أوسمة و نياشين يزين بها صدور عبيده الذين ملكهم الدنيا و ملذاتها .
فالطريق أمامك , أيها الشاب , طريق الحياة الأبدية و الملكوت المعد حيث رب المجد نفسه يفتح ذراعية لك لتكون ابنه و هو يكون مخلصك الذي يفديك من سلطان الخطية و الشيطان . أما طريق الموت فهو أمامك مفتوح على مصرعيه لتصير من أهل هذا العالم
و لكن واسع و مريح جدا الطريق للجهلاء الساعين وراء شهوات الجسد , أما طريق الملكوت و الحياة الأبدية فيبدوا ضيقا في عين الجسد , أما برؤيا الروح فهو طريق المجد , الطريق الملكي الذي اختطه المسيح بنفسه و وضع له علامة هي علامة الابن , التي يعرفها الطفل التي بها يهزم كل الذين ظفر المسيح بهم على صليبه
( إِذْ جَرَّدَ الرِّيَاسَاتِ وَالسَّلاَطِينَ اشْهَرَهُمْ جِهَاراً، ظَافِراً بِهِمْ فِيهِ. كولوسي 2 : 15 ) .

الأب متى المسكين

13 ديسمبر 2005

من كتاب مع المسيح – الجزء الرابع – صفحة 13 إلى 17 الطبعة الأولى 2006 – مطبعة دير أبو مقار العامر ببرية شيهيت .