العراب البريطاني العجوز يستكثـر علينا النظام الديمقراطي:قد يكون صحيحاً أن العرا

بدء بواسطة برطلي دوت نت, أغسطس 20, 2014, 10:02:16 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

برطلي دوت نت

العراب البريطاني العجوز يستكثـر علينا النظام الديمقراطي:قد يكون صحيحاً أن العراق بحاجة إلى ملك...!

برطلي . نت / بريد الموقع



 فخري كريم

أعادني مقال لسفير بريطاني سابق، نشره في جريدة التلغراف البريطانية، الى استرجاعٍ نقدي للمفاهيم التي تتحكم في توجهات اعتمدها لرسم الخارطة السياسية وتقويم النظام في العراق، وتدارك ما أصابها من نكساتٍ وتصدعاتٍ وفشل، وما ينتظرها من مخاطر وتحديات، واحتمالات انفراط العقد الاجتماعي- السياسي بين مكوناته.
والتوقف عند مثل هذا المقال الذي كتبه السير اندرو كرين في هذا التوقيت، يرتبط باكثر من علامة استفهام، لأن كاتبه يمثل الدولة التي كانت "الأب الروحي" أو العراب لولادة الدولة العراقية في اعقاب اقتسام اسلاب الخلافة العثمانية أوائل القرن العشرين، ولأن المقال يشكل نقداً تشريحياً للمفهوم الغربي، الاميركي بوجه خاص، حول الكيفية التي يجب أن تُحكم بها شعوب منطقة الشرق الاوسط، ومنها الشعب العراقي على وجه التحديد. والسير البريطاني، ينطلق في تقييمه ومفهومه وتمنياته من "وجهة نظره" حول ثقافة وطبيعة شعوبنا المجبولة على التنافر والخصومة والتنازع المذهبي، وخصائصها العشائرية والمناطقية "الأبوية" التي تميل الى اعتماد منظومة القيم والعادات والولاءات والمساومات والاساليب التي تنتجها هذه الثقافة والطبيعة في المجتمع وفي بنى الدولة، وتركيبتها، وقواعد الحكم فيها.
وهو يخلُص من ذلك الى ان "الديمقراطية ليست الحل لمجتمعاتٍ معقدة للغاية" وان "تلك الديمقراطية، كما نفهمها (ويعني بذلك ما بشّرت وعملت الولايات المتحدة واوربا لتمكيننا منها) لا تنفع في بلدان الشرق الأوسط، حيث العائلة والعشيرة والطائفة والصداقات تتفوق على أجهزة الدولة. هذه مجتمعات لا يحكمها القانون، بل على العكس فإن افضل وصفٍ لها هو أنها مجتمعات "خدمة مقابل خدمة"..!
ويستطرد المقال في طرح أسانيده، لتأكيد هذا المفهوم لواقع العراق وما يراه له من مستقبل.
وليس السير اندرو، الوحيد من منتجي الأفكار الستراتيجية ومراكز الـ"think tank" التي تشكل قاعدة السياسات الاميركية والغربية، على هذا الصعيد، فمعه طائفة ممن يشاطرونه الرأي، ويحثون دوائر القرار في بلدانهم على الأخذ بآرائهم، وإعادة صياغة سياساتهم على ضوئها.
لا مراء في اننا، وليس غيرنا، من يتحمل مسؤولية زاوية النظر المنحرفة عن سويتنا الإنسانية، وأوضاعنا واستحقاقات شعوبنا مما تنعم بها البشرية المتحضرة، من انظمة ديمقراطية تجسد ارادتها وتطلعاتها، وتقدمٍ حضاري يتميز بوفرة الخيرات المادية، وتطورٍ علمي وثقافي وفني يمنحها رخاء التمتع بنعمها وهباتها، وما تقدمه لها من رفاهية.
ولنقصٍ في جيناتنا، كما يبدو للغير، فإننا جعلنا منطقتنا تصلح لتشكل مختبراً حيوياً مكشوفاً لتجربة مختلف النظريات السياسية والاقتصادية، ولتجربة الأسلحة الفتاكة الجديدة، واصلاح الخلل فيها وتطوير أنظمتها. وهي المنطقة النموذجية، لوفرة المال فيها، ولكرم وسعة صدر حكامها، وامتداد مساحتها، وتنوع تضاريسها، لتجديد منظومات السلاح ولتصريف المخزون الاميركي والاوربي من الترسانات العسكرية، كلما ظهرت بوادر أزمة اقتصادية، أو نقص في الموازنة، او حاجة لتغيير سعر الفائدة على الدولار، او اجراء اصلاح في اختلال ميزان التجارة البينية، وغير ذلك مما يترتب على خطط اللاعبين الكبار في لعبة الامم.
ولأننا، كشعوبٍ وحكام بلا ذاكرة، أو بلا احترامٍ لمن لديه فينا بقايا ذاكرة، ولأننا مسيّرون إلى مصائرنا، منعّمون باسترجاع مآثر الأجداد، ومفاخر سيوفهم الباترة، وجهالة الجاهلية المعاصرة، التي نغرق اليوم في مناقب سيرة خليفتها أبي بكر البغدادي الوحشية، الآتي من كهوف اربعة عشر قرناً اندثرت، فمن حق السير اندرو وكل "السِيرات" اللامعة في تاريخ الإمبراطورية البريطانية التي غابت عنها الشمس منذ أربعينيات القرن الماضي، ومعه خبراء الـ"think tank" في الولايات المتحدة، أن يستخفّوا بعقولنا، ويسخروا من قوة إرادتنا في تقرير مستقبلنا، ويستمرئ قادتهم ما تؤول اليه مصائرنا، كيفما شاؤوا، أو كيفما تفرضه مصالحهم التي تظل ثابتة، من حيث الجوهر، خلافاً لحلفائهم الذين تذروهم رياح التغيير، سواء من هم في السلطة، أو في المعارضة، كلما استدعت المصالح الستراتيجية ذلك.
قد يكون المقال، شاردة وردت في ذهن السير أندرو كَرين، كان عليه ان يكتبها في خضم العواصف التي تهز الشرق الاوسط القديم، المتداعية اركانه، بعد مئة عامٍ على اتفاقية سايكس بيكو، وغيرها من اتفاقيات تقاسم إرث العثمانيين، لكن ما جاء فيه من تقييم للشعوب العربية والإسلامية في المنطقة، ليس مجافياً لتفكير المملكة البريطانية التي رعت التقاسم، ووضعت فلسفة التركيبة السكانية للدول الناشئة حينها، والتي حرصت على ان تضم في تكوينها عناصر تداعيها، و"تَفَجُّرها" من الداخل في الوقت المطلوب.
والسياسة البريطانية ومصادرها في التخطيط، تعتمد ارشيفات التجربة التاريخية في السيطرة على دول المنطقة التي تعهدتها، والمعرفة المباشرة بطبيعة كل دولة انتُدبت لادارتها، وهي في هذا تختلف عن مخططي السياسات الاميركية التي تتغير مع تغير ساكن البيت الابيض، وهي أقرب ما تكون الى اعتماد التجربة والخطأ في ما تتعرض لها من تبدلات وخيارات. هذا ما يمكن الاستدلال عليه، من التناقضات في ادارة باراك اوباما وسلفه جورج بوش، وبينه والرئيس بيل كلنتون، وهم جميعاً يقفون وراء صلاحية الديمقراطية الاميركية للتصدير الى ما وراء المحيط، وابداء العناية المطلوبة بها، والرعاية لسيرورتها، دون اغفال امكانية استخدام القوة والترهيب، مما اثار الفزع والغضب في الاوساط الحاكمة الموالية والحليفة للولايات المتحدة، ودفعها بعيدا في الموقف من التغير العاصف الذي حل بالعراق عام ٢٠٠٣، بعد ان تناهى الى مسامعها في وسائل الاعلام وشيفرات الرسائل الدبلوماسية، انها ليست خارج دائرة الاستهداف!
إن مَس التآمر، وليس التحليل ورصد التغيرات في مواقف الدول الكبرى واهدافها، هو الذي يتحكم في قرارات حكامنا. وهو خيط من الشبكة العنكبوتية (ليس المقصود الإنترنت) التي تشد الاوساط الحاكمة في العراق، والتي عكست سياساتها وعبثها المغامر، طوال السنوات العجاف الماضية، ما اغرى السفير اندرو وكثيرين غيره، بالقول باننا شعبٌ لا يستحق ان تُدار الدولة بإرادته، بل بمقتضيات "قوة" تُستمد من الطائفة والدين والمذهب، والعشيرة والعائلة، ومن العلاقات التي تتحكم فيها شبكة المنافع البينية التي تنتظم في عمليات النهب والفساد بين المجاميع والطبقات الحاكمة.
وقد جددت مثل هذا التصور، باللايقين من امكانية تغيير هذه الطبيعة، ثلاث حكوماتٍ تعاقبت على السلطة في العراق الجديد، ولم تكن النتيجة، سوى الامعان في تقويض أسس ما أريد لنا من نظامٍ ديمقراطي تعددي، يجري الاحتكام في تداول السلطة ضمنه، الى مبادئ وقيم النظام الديمقراطي، وما يؤكده الدستور من مسارات، وإظهار الارادة عبر انتخاباتٍ حرة، وليس بتطويعها لتدخلات السلطة واجهزتها، وتزويرها بكل الاساليب دون رادع.
في تزامنٍ ملفت، ربما بمحض الصدفة، اطلعت على مقالٍ للباحث اوليفيه غيتا، مستشار الامن والمخاطر الجيوسياسية للشركات والحكومات في معهد هنري جاكسون بلندن، يرى فيه، وهو يحلل الوضع في العراق بعد تدخل الطيران الاميركي في المواجهة مع دولة الخلافة الاسلامية "داعش"، ان مرحلة ما بعد تصفية خلافة داعش، التي تقتضي البحث عن وسيلة فعالة لانهاء العنف الطائفي في العراق وتمكينه من الاستقرار، قد تتطلب الاستعانة بالخلافة الهاشمية، وتتويج الملك الاردني عبدالله على عرش العراق!
واكاد أجزم ان العاهل الاردني الملك عبد الله هو من النضج والحكمة والدراية بالتاريخ العراقي، بحيث لن يكون في وارد قبول مثل هذا العرش، حتى وإن منحه البرلمان العراقي كل الصلاحيات التي انتزعها وتمتع بها السيد نوري المالكي، خلافاً للدستور وعلى الرغم من البرلمان وارادة الشعب العراقي .
وأذكر للتأكيد على هذا اليقين، حادثة تعود الى أوائل السبعينيات، وحكاية تروى على سبيل الحكمة. فقد استدعت المخابرات الاردنية كلاً من الشخصيتين البارزتين في الحركة الوطنية العراقية، الراحل زكي خيري والاستاذ المحامي عبد الرزاق الصافي الى مكتبها، وكانا في زيارة الى الاردن للمشاركة في مؤتمر شيوعي. ورداً على تململهما من الاستدعاء والتحقيق، اعتذر لهما المسؤول المخابراتي متسائلاً: ايهما افضل، ما نفعله معكما في اطار اجراء شكلي، ام ما يفعله معكم حزب البعث ومخابراته، في أقبية اجهزته الامنية، وحزبكم يشارك معه في الجبهة والوزارة!
اما الحكاية التي تروى على سبيل الحكمة، فتعود الى وجيه بغدادي ثري أوصى ولده أن يهب ثروته بعد وفاته إلى "أغبى رجل" يعثر عليه. وبعد وفاة الوجيه، جاب ولده الحواضر والأصقاع القريبة والبعيدة بحثاً عن هذا الغبي، فكاد اليأس ان يحبط همته، لولا انه شاهد يوماً في ولاية، سيافاً يهم بجز رأس رجلٍ خائر، فرابه المشهد وسأل من كان يتابع معه: من هو الضحية؟ فقيل له انه حاكم الولاية! ومن هو الجلاد؟ فقيل له الحاكم الجديد! فأخذته الدهشة، وسأل عن سر الحكاية، فقيل له، أن نظام ولايتنا ان يتولى حكمها الوالي لستة أشهر، ثم يخلفه والٍ جديد، بعد أن يقطع بالسيف رأس الوالي القديم.
تساءل الولد: وهل يعرف الوالي الجديد هذا القانون؟ قيل له نعم.
فما كان منه الا أن يسرع نحو الوالي الجديد، بعد ان قطع رأس سلفه، وهو يصيح:
لقد وجدته..!!