المجـــد للـــــه فــي العلــى/مال اللــه فـــرج

بدء بواسطة برطلي دوت نت, ديسمبر 25, 2016, 11:45:21 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

برطلي دوت نت

المجـــد للـــــه فــي العلــى     
   


برطلي . نت / بريد الموقع
   
مال اللــه فـــرج

malalah_faraj@yahoo.com



في واحدة من اصعب المراحل التاريخية واخطرها التي يعيشها شعبنا وهو يواجه اشرس تحديات وجوده ومصيره من قبل الايدلوجيات المتطرفة التي تسوق الاحقاد والعنف والكراهية وتحاول مسح الاخر وابادته واقتلاع
المكونات الاساسية من جذورها وهدم حضارتها ، نستعد وتستعد الانسانية كما في كل عام للاحتفال بعيد الميلاد المجيد ، حيث يتحول العالم في الخامس والعشرين من كانون الاول كل عام ، ابتهاجا بعيد ميلاد المخلص الذي افتدى الانسانية كلها بدمائه الطاهرة  , الى كوكب متوهج بمشاعر البهجة والفرح والايمان,  يسبح في الاضواء الملونه وبالاشجار التي ترتدي ابهى حلل  الزينة وبصور بابا نوئيل وبالالعاب النارية وبمجسدات مختلفة لمغارة بيت لحم حيث ولد الفادي في مكان حقير ليعلم الانسانية ببساطة اولى ابجديات التواضع , متمازجة بقرع نواقيس الكنائس في منتصف الليل وبالتراتيل الروحية الشفيفة   حيث يردد المؤمنون كما رتل ملائكة الرب قبل أكثر من الفي عام في تلك الليلة التأريخية قارسة البرودة التي غيرت وجه العالم وقيمه : (المجد لله في العلى وعلى الارض السلام وفي الناس المسرة) بينما تنطلق التهاني والتمنيات من أعماق القلوب المؤمنه لتلامس شغاف القلوب الاخرى احتفاء وابتهاجا بعيد ميلاد ذلك النور السماوي المتجسد بشرا, ليكون رمزا لاروع قيم المحبة  والتسامح والفداء والسلام. 
وحيث يتحول  العالم كله , مع اطلالة الميلاد الى لوحة حية للمحبة التي تليق بهذه المناسبة الروحية الجليلة التي قادت العالم الى واحد من ابرز تحولاته الايديولوجية والسايكولوجية والاجتماعية لتنقذه من دياجير ثقافة العنف والظلم والقسر والعدوان والاستعباد والهمجية ولتضيء في جوانبه عبر ومضاتها الروحية ثقافة المحبة والتسامح والفداء والغفران وقبول الاخر والتضحية من اجله , حيث اكد يسوع ان (لا حب اعظم من هذا ان يبذل الانسان نفسه من اجل احبائه) , بل وذهب الى ابعد من ذلك وهو يوصي الانسانية المؤمنة في كل مكان بالتسامح حتى مع الاعداء لاقتلاع بذور الشر والعنف والهمجية وثقافة الانتقام من اعماق البشر , ممهدا الطريق نحو اقامة مجتمع آنساني امن ركائزه الايمان بالله وقيمه السماوية وعنوانه التسامح (احبوا اعداءكم.. وصلوا لاجل الذين يضطهدونكم فتكونوا ابناء ابيكم الذي في السموات) , فان ذلك كله لحري به ان يجعلنا نقف قليلا ازاء قيم الميلاد وعظمته لنراجع النفس لاسيما في هذه الظروف الصعبة التي نعيشها وةبعيشها شعبنا في كل مكان حيث يحاول ظلام الكراهية والعنف والارهاب جاهدا اطفاء نور المحبة والتسامح التي جاء بها السيد المسيح ، تلك الظلمات التي خلفت الملايين من المهجرين والنازحين والمهاجرين والمشردين  جراء ايمانهم الذي لا يتزعزع ، ونسأل انفسنا  اين نحن فعلا من ذلك الكنز العظيم ؟. 
ان تلمس القيم الجليلة للميلاد المجيد والوقوف في محطات السيرة العطرة ليسوع المسيح المتوهجة بأغنى وأثرى الكنوز الروحية التي غيرت وجه الحياة لابد أن يقودنا الى حقيقة الحقائق كلها , بل واروعها , تلك هي ان المخلص الذي افتدى الانسانية بدمه الطاهر وتجسد بشرا ليخلصنا , انما احدث برسالته السماوية  وبتواضعه وبساطته وتضحياته وقيمه وايمانه ثورة حقيقية في حياة الانسان  واخذ بيده الى حيث نور الايمان ولذة التسامح وبهاء التسامي على الانانيات الشخصية وليرشده الى حقيقة أن اقتناء كنوز السماء الخالدة لهو خير الف مرة من السعي نحو اقتناء كنوز الارض الفانية.
فالى جانب عجائب المسيح ومعجزاته في اشباع الجياع واجابة المحرومين ومغفرة الخطاة التائبين (من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر) وشفاء المرضى والبرص واحياء الموتى فان رسالته السماوية بقيمها الروحية الجليلة كانت وستبقى خارطة طريق حيوية لاقامة مجتمع انساني انموذجي عادل متفاعل على اسس روحية متفردة في انسانيتها وفي سموها الروحي والمادي والاخلاقي وفي نكران الذات والتضحية من اجل الاخرين ولتعبد طريق  التقوى والصلاح والايمان للانسان في كل مكان نحو الخلاص وضمان الحياة الابدية.
ان الهزة العنيفة والتأثيرالعميق الذي احدثته رسالة يسوع وتعاليمه الروحية وسيرته العطرة في الذات البشرية وفي عمق المجتمع الانساني عموما وما رافق ذلك من تحولات ايديولوجية انعكست على طبيعة ايديولوجيات وستراتيجيات واخلاقيات وقيم ومبادئ وتقاليد مجتمعات باسرها انما انطلقت من ايديولوجية احترام الانسان لاخيه الانسان بغض النظر عن معتقداته وانتماءاته وافكاره وتصوراته وخياراته وتصرفاته خصوصا وهو يؤكد: ( أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ. وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ. لِكَيْ تَكُونُوا أَبْنَاءَ أَبِيكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ) ، فضلا عن تعاليمه الاخرى التي تمثل تراثا روحيا غنيا بل متوهجا بقيم السماء استطاع ان يحدث ذلك الانقلاب الروحي الكبير في الذات البشرية  وهو يستبدل ارادة العنف والحرب والكراهية والعدوان والهمجية بارادة المحبة والسلام : (هنيئا لصانعي السلام لانهم ابناء الله يدعون.. هنيئا للمضطهدين من اجل البر لأن لهم ملكوت السماوات.. هنيئا للجياع والعطاشى الى الحق لانهم يشبعون.. هنيئا للرحماء لانهم يرحمون هنيئا للمحزونين لانهم يعزون.. هنيئا للمساكين في الروح لان لهم ملكوت السموات .(
ويضيف في تعاليمه السماوية: (من غضب على اخيه استوجب حكم القاضي.. ومن قال له يا احمق استوجب نار جهنم) ،(سمعتم انه قيل لا تزن.. اما انا فاقول لكم من نظر الى امرأة ليشتهيها فقد زنى بها في قلبه فاذا جعلتك عينك اليمنى تخطئ اقلعها والقها عنك لانه خير لك ان تفقد عضوا من اعضائك من أن  يلقى جسدك كله في جهنم) ,(اياكم ان تفعلوا الخير امام الناس ليشاهدوكم والا فلا اجر لكم عند ابيكم الذي في السموات) , (اذا كنتم تغفرون للناس زلاتهم يغفر لكم ابوكم السماوي زلاتكم وان كنتم لا تغفرون للناس  لا يغفر لكم ابوكم السماوي زلاتكم) ،(انتم ملح الارض فاذا فسد الملح فبماذا يملح لا يصلح الا لأن يرمى في الخارج فيدوسه الناس) ' (ليضيء نوركم امام الناس ليشاهدوا اعمالكم الصالحة وليمجدوا اباكم الذي في السموات) , (كل شجرة لا تثمر ثمرا صالحا تقطع وتلقى في النار) , (اسألوا تعطوا، اطلبوا تجدوا، اقرعوا يفتح لكم، فمن يسأل ينل ومن يطلب يجد ومن يقرع يفتح له ).
  فما احرانا وما احوجنا في هذه الايام المباركة ونحن نستقبل عيد ميلاد سيدنا ومخلصنا وفادينا ان نغتسل من اخطائنا وخطايانا وسيئاتنا وان نتمازج معه ونتحد مع روحه الطاهرة ونتمسك بقيمه ومبادئه لنتمكن من عبور بحور التحديات وعواصفها التي تحيط بنا وبكل المؤمنين من مختلف الجهات بالاخص في شرقنا الملتهب بفعل استشراء التطرف والعنف والارهاب والهمجية تحت مسميات شتى القت وما تزال تلقي بظلالها القاتمة , بل بافرازاتها الاستهدافية الخطيرة على شعب المحبة والتسامح والسلام , اولئك هم اشقاؤنا في الايمان في كل مكان , فما احرانا ان نستذكربهذه المناسبة الروحية الجليلة اهلنا المشردين والنازحين والفقراء والحتاجين والمهجرين ونقف الى جانبهم في محنتهم ونتلمس معاناتهم ونساعدهم ونواسيهم ولو بكلمة محبة متخذين من سيرة المخلص العطرة الحافز الابدي والازلي في التمسك بالايمان وفي تعزيز قيم المحبة والتسامح والغفران بيننا اولا وبيننا وبين المحيطين بنا ايضا , فما خلاصنا في خضم هذه التحديات المصيرية الشرسة الا في وحدتنا الروحية والا في تمسكنا المصيري بفادينا ومخلصنا قولا وفعلا وممارسة ونهجا وتضحية واسلوب حياة ، فلنتوحد في محبة المسيح ولنتوحد في محبتنا لبعضنا تجسيدا لوصية المخلص (كونوا واحدا كما انا والاب واحد) ولتقفز مكوناتنا ومنظماتنا وممثلياتنا فوق تناقضاتها وخلافاتها وانانياتها ولنوحد كلمتنا وارادتنا ومواقفنا  بارادة واحدة قبل ان تبتلعنا تناقضاتنا لنكون جديرين بالانتماء للمسيح وجديرين بتجسيد سيرته العطرة في ممارساتنا اليومية فتزهر المحبة وترحل مهزومة ملعونة الكراهية.
أخيرا, لنسأل انفسنا ونحن نصلي ضارعين صلاة الميلاد ونردد  تراتيله ونهمس للرب متوسلين من اعماق قلوبنا (اغفر لنا خطايانا كما نحن ايضا نغفر لمن اخطأ الينا) , هل فعلا قد غفرنا لمن اخطأ او أساء الينا ؟ وان كنا لم نفعل ذلك فكيف نطلب من الرب ان يغفر لنا ونحن لا نغفر لبعضنا البعض ؟ ولنقتف خطى المخلص ولنضيء ظلمات حياتنا ودياجير نفوسنا وعتمة قلوبنا بومضات سيرته المتوهجة نورا روحيا سيبقى مضيئا ابد الدهر , وليكن شعارنا كما نصحنا ووجهنا واثرى عقولنا ونفوسنا وقلوبنا يسوع المسيح ( أنا نور العالم , من يتبعني لا يمشي في الظلام بل يكون له نور الحياة) فلنتبعه بتجسيدنا لوصاياه ولسيرته العطرة بافعالنا لا باقوالنا.
و.. عيد ميلاد سعيد   .. وايامكم مضمخة بعطر الايمان ...  وقلوبكم مترعة بالتسامح والغفران ... ولتبقى أعماقكم أيها الأحبة المؤمنون في كل مكان مباركة بالتسامح والغفران ومتوهجة أبدا بالمحبة.