الأحد الثالث بعد الدنح «الإنسان الذي جاء إلى يسوع ليلاً»

بدء بواسطة بهنام شابا شمني, يناير 29, 2011, 07:19:53 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

بهنام شابا شمني

الأحد الثالث بعد الدنح «الإنسان الذي جاء إلى يسوع ليلاً»
بقلم قداسة سيدنا البطريرك المعظم مار إغناطيوس زكا الأول عيواص الكلي الطوبى.


بعد نهار صاخب قضاه الرب يسوع في الهيكل حيث كبَّ الصيارفة وقلب موائدهم، صنع سوطاً من حبال وطرد الجميع من الهيكل الغنم والبقر يكبَّ الدراهم وقال لباعة الحمام ارفعوا هذه من ههنا، لا تجعلوا بيت أبي بيت تجارة. فتذكر تلاميذه أنه مكتوب غيرة بيتك أكلتني (يوحنا 3: 15-17). بعد هذا النهار الصاخب قضاه الري يسوع الذي دعانا ودعا العالم ليتعلم منه التواضع ووداعة القلب رأيناه يمسك سوطاً بيده ويوبخ أولئك الذين حادوا عن شريعة الله وجعلوا من الدين وسيلة لهم لإشباع جشعهم وطمعهم وعبادة المادة، بعد كل ذلك وجدنا الرب يسوع في بيت مع تلاميذه في أورشليم أو في إحدى القرى القريبة من أورشليم، كان في الليل يحّدث تلاميذه ربما يشجعهم على قول كلمة الحق والدفاع عن شريعة الرب بكل شجاعة وبسالة غير هيابين من الناس في تلك الأثناء قرع باب البيت ودخل من دعاه يوحنا برجل أو لإنسان عرف من لباسه وربما كان يُعرف من العديد من التلاميذ أنه نيقوديموس، نيقوديموس ومعنى اسمه الآرامي الطاهر الجنس والأصل، كان أحد رؤساء اليهود ومعنى ذلك كان عضواً في مجلس السنهدريم الذي كان يتألف من سبعين شخصاً من كبار القوم لهم مركزهم الديني ولئن كانوا زعماء علمانيين لا دينيين ولهم مركزهم الاجتماعي كما كانت لهم قوتهم السياسية وسلطانهم حتى في الحكم على الإنسان الخاطئ بالموت بحسب شريعة موسى ولكن وجود الاستعمار الروماني يومئذ لم يستطيعوا أن ينفذوا أحكاماً كهذه. دخل نيقوديموس البيت اتجه نحو الرب يسوع قائلاً له: يا معلم نحن نعلم أنك أتيت من الله معلماً لأن الآيات التي تصنع لا يستطيع أحد أن يصنعها ما لم يكن الله معه، صفة المعلم كانت صفة سامية تعادل مثلاً في أيامنا هذه من له شهادة عالية في علم اللاهوت وكانت هذه الصفة لا تطلق إلا على من تخّرج في مدارسهم الدينية يوم ذاك ولكن نيقوديموس هذا الإنسان الذي يظهر أنه تتبع ما كان يعمله يسوع ويعلمه يدعو يسوع معلماً وليس هذا فقط ليس كسائر المعلمين يدعوه معلماً قد جاء من الله لأنه برهن على قوته الإلهية بالمعجزات الباهرات التي اجترحها، نعلم أنك أتيت من الله معلماً. يسوع لا يهمه أن يُكيل له الناس المديح قد جاء من الله معلماً إنه حقاً جاء من الله مخلصاً ومنقذاً فيهمه أمر الخلاص لذلك يلتفت إلى نيقوديموس قائلاً: ينبغي أن تولدوا من فوق وحواره مع نيقوديموس يعلمنا أموراً كثيرة، كيف يولد الإنسان وهو شيخ؟ يقول نيقوديموس.

الرب في كلامه مع نيقوديموس يبرهن أن المولود من الجسد جسد هو والمولود من الروح روح هو ويعلن العقيدة السامية عن سر المعمودية بقوله يجب أن تولدوا من الماء والروح، لم تكن هذه الولادة جديدة على اليهود، إن الوثني في تلك الأيام إذا ما تهوّد كانوا يدخلونه في طقوس كمعمودية يوحنا مثلاً أن يغسل بالماء ولكن الرب يقول لنيقوديموس أن تكون الولادة من الماء والروح وأيضاً من الروح القدس والنار ونستغرب كيف يولد الإنسان من النار أما الروح فقد علمنا أن التلاميذ يوم الخمسين قد ولدوا بالروح ولكن أيضاً رأينا الروح يهبط على هامة كل واحد منهم بشبه ألسنة نارية بل أيضاً حيث كان الإله في العهد القديم كانت هناك نار تلتهب، التهبت العوسجة بالنار ولم تحترق كان هناك نار اللاهوت بالذات بشبه نار آكلة بل أيضاً التهب الجبل عندما أعلن الله شريعته في العهد القديم على يد موسى التهب أيضاً بالنار فمعمودية النار إذن هي معمودية الله لكنها ظهرت عندما جاءنا الرب يسوع مخلصاً، كانت رموز لوجود الرب أما هنا فالرب بالذات ظهر متجسداً وأمر أن تكون معموديته معمودية الماء والروح وعمودية الروح القدس والنار.
نيقوديموس لا يدرك هذه الحقائق الرب يقول له أنت معلم في إسرائيل ولا تعرف هذا ويقول أيضاً إذا كنّا قلنا لكم الأرضيات ولم تؤمنوا فكيف تؤمنون إذا قلنا لكم السماويات.

في هذا الحديث الشيّق تظهر عقائد سامية يعلن المسيح إن الدافع لإرساله إلى العالم هو محبة الله للناس للبشر كافة «لأنَّه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية» ويعلن لنا الرب أيضاً كيفية البذل الذي قام به ابن الله فيذّكر نيقوديموس بالحية النحاسية في البرية يذكره بالحيات المحرقة التي تمثل إبليس وجنده ويذّكره بأمر الرب لموسى أن يرفع الحية في البرية ويقول كما رفع موسى الحية في البرية هكذا ينبغي أن يرفع ابن الإنسان لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية.

لقد نهج لنا الرب باب الخلاص عن طريق المعمودية بالإيمان عندما يعتمد الطفل على مسؤولية والديه وأشابينه بإيماننا أنه قد ولد من فوق ولد من السماء ولد ميلاداً ثانياً أصبح ابناً لله بالنعمة وفي الوقت نفسه عندما نذكر الحية النحاسية نرى أننا إن أصابتنا لسعات الحيات المحرقة الخطايا والآثام الكثيرة في العالم إن كان لنا إيمان بالذي صلب عوضاً عنّا نتطلع إليه كما تطلع بنو إسرائيل إلى الحية النحاسية فننال الشفاء التام من أمراض الروح، بالإيمان أيضاً نرى أننا عندما نعمّد طفلاً إن الروح يحل عليه كما حلّ على المسيح يوم اعتمد من يوحنا أعلن المسيح مخلصاً يوم ذاك وأعلنه يوحنا إنه حامل خطايا العالم، بهذا الإيمان نولد ثانية وإذا ما أخطأنا ونحن بشر فقد نهج لنا الرب سر التوبة والاعتراف لنعود إلى النعمة التي نفقدها بالخطية.

بالإيمان فقط أيها الأحباء نستمر في حياتنا الروحية كأبناء لله بالنعمة والسؤال الكبير من ذلك الحديث نستمده من الحوار الذي قام بين المسيح ونيقوديموس، ماذا كان تأثير هذا الحديث على نيقوديموس؟ هل ولد نيقوديموس ميلاداً ثانياً؟ هل تبع نيقوديموس المسيح؟ عندما نقرأ الإنجيل المقدس أيها الأحباء نرى أن التلاميذ الذين تبعوا المسيح كانوا بحسب ظننا بسطاء صيادين ولكننا في الوقت نفسه علينا أن نعلم أن أولئك الصيادين لم يكونوا بسطاء، كانوا من أولئك الذين كانوا قد درسوا النبوات وينتظرون مجيء مشتهى الأمم ماشيحا المنتظر لخلاص البشرية ولكن كان على كل يهودي أن يمتهن مهنة يمارسها خاصة في وقت الضيق ولذلك كانت مهنتهم صيادين أو مهنة ثانية بسيطة ولكن كانوا يعرفون الكتاب وكانوا مثقفين ثقافة روحية إنما نجد بينهم كنيقوديموس رجلاً ذا مركز اجتماعي مرموق وُصف أيضاً أنه كان غنياً جداً جاء إلى يسوع ليلاً خوفاً من أصدقائه وزملائه في مجلس السنهدريم الذين لو اكتشفوا أنه يؤمن بالمسيح لحرموه وعندما قابل المسيح وحاوره نال نعمة عظيمة وشجاعة وبسالة وجادل وحاور ودحض أصدقائه في مجلس السنهدريم عندما أرادوا أن يحكموا على الرب يسوع ظلماً واتهموا نيقوديموس بأنه وهو جليلي انحاز إلى جانب الرب يسوع وأخيراً لقد ولد نيقوديموس ثانية عندما صلب الرب كان مع أولئك الواقفين عند الصليب وهو يتأمل المصلوب ويتذكر الحية النحاسية التي كان المسيح قد ذكّره بها وكان أحد اثنين هو ويوسف الرامي قد طلبا من بيلاطس أن يأخذا جسد يسوع ودفنه في قبر جديد، ويقول التاريخ أن نيقوديموس إذ آمن بالمسيح كان قد ذهب إليه ليلاً ولكن في واضحة النهار أعلن إيمانه بالمسيح واعتمد على يد بطرس ويوحنا بل أيضاً نال رتبة الأسقفية.

لقد ولد نيقوديموس ثانية ضحّى بالمركز المرموق، ضحّى بغنى وأمجاد هذا العالم في سبيل المسيح يسوع فربح المسيح وولد ثانية بل أيضاً ربح ملكوت الله فهو قدوتنا ومثالنا وهو مثال لكل من يحب المسيح الذي أحبنا أولاً وبإمكانه أن يضحّي بأمجاد العالم ليرث ملكوت السماء الحالة التي أتمناها لي ولكم أحبائي بنعمته تعالى آمين.

matoka

                                           مشكور استاذ بهنام  على المتابعة
Matty AL Mache