تحرير الأخبار:

تم تثبيت المنتدى بنجاح!

Main Menu

الفرهود في العراق

بدء بواسطة ماهر سعيد متي, ديسمبر 14, 2013, 01:14:10 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

ماهر سعيد متي

الفرهود في العراق


المقدمة
مع دخول قوات الغزو إلى العراق، بدأت عملية نهب وسلب عامة لم تترك مرفقاً من مرافق الدولة باستنثاء بناية وزارة النفط، ووثائق وزارة الدفاع، هذه الظاهرة أطلق عليها تسمية (الحواسم) في استعارة سافرة لاسم المعركة التي وعد بها الديكتاتور العراقي لمجابهة قوات التحالف وانتهت بهروب جميع قياداته بثرواتهم .
تلك الظاهرة ما زالت تداعياتها المدمرة شاخصة في المجتمع العراقي، وفي البنى التحتية لهذا البلد، فضلاً عن انها أفرزت طبقة جديدة من تجار ورجال أعمال وملاكين كان مصدر ثرواتهم ما نهبوه من المال العام.

الحواسم هي التسمية الجديدة لـ (الفرهود) فمعناها واحد في الجوهر، وإن كانت معاجم اللغة العربية لاتعتمد تبدلات مضامين الكلمات التي تبدعها العبقرية الشعبية ليصبح انقطاع بين الفصحى والحياة. المعنى المتبادر للذهن، إذ تقرأ في معجم تاج العروس للفيروز آبادي معان بعيدة عن معنى (النهب الجماعي لأموال وممتلكات الغير والممتلكات العامة) التي باتت لفظة (الفرهود) تحملها إذ معانيها في المعجم المذكور: (الغلام الجميل وابن الأسد والوعل .. الخ وهي معاني لم تعد متتداولة) وإذ تلجأ إلى مصدر يتناول الألفاظ العامية، تجد فيه ما تريده، ففي جمهرة الأمثال البغدادية للمرحوم عبد الرحمن التكريتي، التعريف الذي يتطابق مع ما استقر عليه اللفظ، يقول في (باب الفاء):
الفرهود: (نهب أموال الناس دون أن يمنع –الناهبين احد- بل ويذهب البعض الى القول ان كلمة فرهود جرى اشتقاقها من " فر يهود، فرهود" وبذلك يشيرون الى ان اصل الكلمة هي المجزرة الوحشية والنهب الجماعي لليهود العراقيين عام 1941 حيث جرى قتل اليهود واغتصاب النساء والاطفال وسرقة اموالهم وممتلكاتهم ووصل عدد القتلى الى ثلاثة الاف شخص في ظرف يومين فقط عدا الاطفال المفقودين، بتحريض من حكومة رشيد عالي الكيلاني المؤقتة التي كانت توالي المانيا في ذاك الوقت وكانت تملك توجهات نازية. وكانت جماهير الرعاع تهتف:
الله أشحلو الفرهود ياسلام ياريته يعود كل سنة وكل عام. للمزيد عن فرهود عام 1941 اضغط هنا
وتحصل الفوضى التي تسمح بالنهب والانتهاكات عند خلو الساحة من سلطة الحكومة مثلا أثناء الحروب أو عند مقاومة شعبية مسلحة ضد الحكومة أو اندحار قوات الأمن أمامهم او بسبب تحفيز السلطة لمصلحة لها في ذلك. .



أما تفسير دوافع تلك الجريمة، فتختلف مثلما تختلف تبريراتها، فعند عالم الاجتماع دوركهايم هي ظاهرة لا تقتصر على شعب من الشعوب، بل ظاهرة اجتماعية تحدث عند توفر شروطها، ويخالف هذا الرأي آخرون، فالمهندس البريطاني "وليم كوكس" يربطها بتغير المزاج العراقي بسبب التبدلات السريعة لمياه دجلة والفرات، وحدوث الفيضانات التي تحطم السدود وقنوات الري، وتدفع الشخصية العراقية نحو العنف والتدمير.

ليس من شأننا في هذا البحث استعراض الآراء الاجتماعية والنفسية التي وضعت لتفسير هذه الظاهرة سواء في تطبيقاتها العراقية، أو تطبيقاتها لدى الأمم الأخرى بقدر ما يهمنا استعراض ما حصل وأهداف لصوص الحواسم، ومحاولة الوصول إلى استنتاج منصف في الهوية الغالبة عليهم، وظاهرة التدمير والحرق التي تلت عمليات النهب، ودور قوات الاحتلال الأمريكية –والبريطانية في البصرة- بتشجيع الناهبين وتسهيل عملهم، ثم الالتفات إلى التبريرات التي ساقها كتّاب عراقيين وتبريرات ساقها قادة سياسيون وعسكريون أمريكان وبريطانيون.

لقد غطت وسائل الإعلام -الفضائيات في مقدمتها- أعمال النهب والسرقة بالنقل الحي المباشر كانت تلك الصور المخجلة لقطعان من اللصوص لا يغطون وجوههم، بل ربما رفعوا أصابعهم بعلامة النصر والهتاف لأمريكا، وكان لفضائية الجزيرة وأبو ظبي والعالم و و BBC قصب السبق في النقل الحي لتلك الفضيحة الوطنية.


أولاً: كأنهم جراد منتشر



تحركت أحداث النهب والسلب مع تحرك قوات الاحتلال فقد بدأت الظاهرة في البصرة بوصول القوات الأمريكية والبريطانية إليها، ثم امتدت إلى بغداد وكركوك لتشمل غالبية المحافظات العراقية، بمستويات مختلفة، وبهذا فإن الربط مع دخول الاحتلال يوماً بيوم هو الأصح وإن كان بعضهم يؤخر الظاهرة يوماً أو يومين، بقولهم: ان النهب بدأ يوم 8 نيسان 2003م أو التاسع منه، وكان أول الأهداف وزارة العدل في الصالحية، وهذا الفرق لا يبدو مهماً ومؤثراً في سير الأحداث أو تفسيرها، لكن عمليات النهب بلغت ذروتها بين شهري أيار وتموز، بسبب عدم وجود قوات أمن تروع النهابين، واكتفاء القوات الأمريكية بالتفرج ، قبل أن تؤدي الضغوط الدولية، وتذكير قوات الاحتلال بواجبها في حماية مواطني ومؤسسات الدولة المحتلة.

في تقرير منظمة (امنستي) تقرأ: (بدأت الظاهرة في البصرة وبعدها في بغداد ثم كركوك إذ خرجت جموع يائسة إلى الشوارع وأوغلت فيها نهباً وحرقاً وتدميراً للمكاتب الحكومية، بل طالت مؤسسات حيوية لمستقبل الشعب، ومنها المدارس والجامعات والمستشفيات)1.

لم تسلم من أيدي العصابات المنظمة، والغوغاء الذين تجمعوا على عجل حتى دور الأيتام وكان واحد من كل أربعة مراكز نجا جزئياً، أما بقيتها فقد هدّمت وسُرقت وأفرغت من محتوياتها، وكان مركز قرب مدينة الثورة يضم 300 طفلاً وطفلة، بقي منهم 30 فقط في بناية مهجورة بلا أبواب ولا شبابيك ولا ماء ولا كهرباء. ومن المؤسف ان سرقة اموال موارد ملاجئ الايتام استمرت حتى في ظل حكومة المالكي المنتخبة وبعد ان فرضت اشرافها على مؤسسات الدولة

وقد كانت المستشفيات من ضمن الأهداف بالطبع، قال متحدث باسم منظمة الصحة العالمية انه (حتى المستشفيات لم تسلم من أعمال النهب والسلب مما فاقم الوضع خاصة مع اقتراب نفاد مخزون الإمدادات الطبية)3 وكانت اللجنة الدولية للصليب الأحمر قالت: (عصابات النهب اقتحمت مستشفى في بغداد، وان مستشفيات أخرى أغلقت أبوابها بسبب تفشي أعمال العنف والنهب في الشوارع)4.

ولم تسلم مكاتب اليونيسيف في بغداد من النهب، فقد (وصلت إلى المكتب وهواتفه ومقاعده .. كل شيء أساساً تعرّض إلى النهب)5
ومثل مكتب اليونيسيف كان مصير مكتب (البعثة الدولية للتفتيش ومراقبة أسلحة الدمار الشامل "اليونفيك") ومقرات تابعة للأمم المتحدة في مختلف المدن العراقية، وكذلك مقرات البعثات الدبلوماسية وهوجمت المخازن الكبرى في بغداد والمحافظات منها مخازن الدباش وأبو غريب والحصوة وغيرها، ومنشآت دوائر التصنيع العسكري خصوصاً منشأتي بدر والقعقاع والجامعات والمدارس والمكتبات والمخازن العامة والخاصة والمصارف التي شهدت عمليات قتل بين الناهبين، لأن الغنيمة كبيرة، أعمال القتل تلك حدث بعضها داخل بنايات المصارف نفسها، وبعضها الآخر بعد العودة بالمنهوبات للاختلاف على الحصص، أو لمجرد الرغبة بالانفراد بالمال كله.

كنت ترى ما يمكن أن تطلق عليه اسم (عصابات عائلية) والكاتب شاهد في أكثر من مكان، عصابات تضم الأب والأم والأبناء، تحمل المنهوبات من البنايات، لكن عصابات من هذا الصنف لم تكن تقوى على منافسة عصابات محترفة لذا اقتصرت عملياتها على البنايات والمؤسسات من الصنف الثانوي الذي لا يغري العصابات المحترفة، وأسوق هنا طرفة حقيقية؛ إذ كان رب عائلة أفرغ داره وحوّله إلى مخزن لاستقبال ما يجلبه ولديه وابنته من منشأة قريبة، وكانت عمليات نقل المنهوبات تجري الليل كله وفي آخر (وجبة) قال الوالد وهو يغسل باب الدار: (بويه إجه وكت الصلاة، كافي عاد، صلّوا وناموا!)
اي (يا أبنائي حان وقت الصلاة ، كفى ، صلّوا ثم ناموا!).
وفي الوقت الذي اختصت العائلات الصغيرة الفقيرة بالسرقات الصغيرة فإن شخصيات كبيرة كانت لها سرقات على مستوى اكبر هي التي حازت على حصة الاسد ولم يكن من النادر ان ترى شاحنات كبيرة محملة بالخردة من جميع انواعها مثل الدبابات والصواريخ واعمدة واسلاك الكهرباء وهي تتجه الى مجمع تجميع الخردة في دهوك مقدمة لشحنها الى تركيا.

كان ملاحظاً ان ثمة جهود حثيثة بعضها منظم وبعضها عشوائي لسرقة الوثائق، خصوصاً الوثائق ذات الطابع الأمني، من مديريات الأمن ومراكز الشرطة ودوائر االاستخبارات والمخابرات والمقرات الحزبية، وضعت بعض الأحزاب والمليشيات يدها عليها لتستثمرها فيما بعد، لمطاردة عناصر الأمن والمخبرين والبعثيين وضباط الجيش والطيارين الذي شاركوا في الحرب ضد ايران، فيما عرض بعضها للبيع على الأرصفة، وقد حدثني شاهد عيان، يسكن في منطقة مختلطة من السُنّة والشيعة عن اقتحام دائرة أمنية، ونقل الأضابير والوثائق منها، ولأن النهابين غير مستعجلين فقد جرت عملية سريعة لجرد هويات المخبرين فظهر ان غالبيتهم العظمى من الشيعة رجال ونساء بين باعة ودلالين وملايات (نساء يمتهن قراءة المراثي الحسينية)!

بعض الوثائق والمخطوطات كانت ذات أهمية استثنائية تم نقلها فيما بعد خارج القطر، إلى تل أبيب وطهران وواشنطن .. ومنها الاضبارة اليهودية التي استخدمت لتوثيق حقوق اليهود المهاجرين من العراق وحصر ممتلكاتهم.

بعد الانتهاء من نهب الدوائر والمؤسسات الحكومية، اتجه النهابون إلى المتاجر والمعامل الخاصة، بل وإلى الدور السكنية أيضاً، والغالب على العصابات من هذا الصنف انها تمارس عملياتها في مناطق غير مناطق سكناها مستخدمة أساليب تخويف الناس وإرهابهم، وكانت الأهداف الأولى في هذه المرحلة الدور التي تركها أهلها ولجأوا إلى محافظات ومناطق أخرى حسبوها آمنة، ومثل ذلك المحلات والمعارض، أما السيارات فكانت وسائل الحصول عليها تتميز بالعنف الشديد الذي يصل إلى حد القتل؛ إذا حاول صاحب السيارة المقاومة، وفي إحصاءات نشرت فيما بعد، تبين ان بغداد كانت تشهد يومياً أكثر من 500 حالة سرقة، أغلبها سرقة سيارات مقترنة بالتهديد والقتل، من هذه الجماعات تكوّنت نواة عصابات الخطف، والقتلة المأجورين، والمليشيات وفرق الموت أيضاً.

العنف الموجة إلى الضحايا، كان متبادلاً أيضاً بين اللصوص والنهابين فضلاً عن حالات قتل فيها أصحاب المال فرداً أو أكثر من العصابة المهاجمة، أو أعيدت سرقة الغنيمة بالقوة أو بمجرد التهديد، وقد كان أحد سكنة حي الجهاد في غرب بغداد، سرقة ماكنة استنساخ ضخمة ومتطورة قيل له ان سعرها يبلغ الملايين، لكن أفراداً من (التوابين) العائدين للمجلس الأعلى، أرسلوا له تبليغاً بتسليم الماكنة إلى حسينية عنونها له، لأن الماكنة هي (ملك للدولة)!

ثانياً: الاستثمار والتسويق



تفاوت استثمار المنهوبات بحسب حجمها فبينما حمل لصوص المصارف والمعادن الثمينة ثرواتهم وخرجوا من البلاد ليحولوا إلى (شيوخ) وممولين وصناعيين وتجار في دول الجوار خصوصاً في سوريا والأردن ثم مصر ليدخلوا –بناء على نصائح من عارفين بالشأن الاقتصادي وبقوانين تلك البلاد- في عملية تبييض للأموال الني نهبوها وهي عملية معقدة وتقتضي وجود متعاونين من مواطني تلك الدول وهذا ينطبق على الغالبية من أولئك الناهبين أصحاب الأوزان الثقيلة، فيما فضل قسم منهم المغامرة والبقاء في العراق للعمل الواسع في التجارة غير آبهين بالشكوك والاتهامات التي توجه إليهم، قبل أن تتطور الأمور ليتعرضوا هم أو بعض أفراد أسرهم إلى الاختطاف والاضطرار إلى دفع فدية ثقيلة مقابل حريتهم، وانتشر أولئك الناهبين في مناطق أرقى من التي كانوا يسكنوها، فاشتروا العقارات في المنصور والحارثية وزيونة والمسبح والسيدية وغيرها، ولم يكن من الغريب أن تسمع بأفراد يشترون أكثر من بيت وبأسعار خيالية لا يستطيع أحد مجاراتهم في دفعها مقابل ما يشترون، فضلاً عن امتلاك المزارع والمعارض والمحلات التجارية والمطاعم الضخمة. وبضربة قادر اصبحت الطبقة الغنية من ايتام صدام حسين، من عشائر السنة، في طريقها للهجرة والهروب لتحل مكانها نسخة اخرى مماثلة من افقر الشيعة واكثرهم تهميشاً .

أما النهابون من الحجم المتوسط والصغير فمنهم مَن أجرى اتصالات مباشرة بالجهات التي تنتفع من منهوباته، كالسيارات والمكائن والمولدات وغيرها، وكانت الصفقات تتم بسرعة لأن التأخير ليس في صالح أي من الأطراف، وبقي النهابون الصغار يعرضون (الغنائم) على الأرصفة وفي الساحات لتظهر على نطاق واسع ما تُسمى بـ (أسواق الحرامية) بسبب اختلاط الحلال بالحرام، فإن عملية تمحيص كاشفة جرت على مستوى واسع للعراقيين، ففي حين امتنع أصحاب الديانة والمتنزهين عن الشبهات من شراء أية سلعة يشكون في مصدرها فإن غيرهم اعتبرها (فرصة) لتسوق بأسعار رخيصة، وكنت تسمع المجادلات والأيمان الغليظة بين البائع والشاري لتنتهي بسرعة بحسم الصفقة!.

بعض (الباعة) كانوا لا يعرفون وظيفة الكثير من السلع التي نهبوها وعرضوها للبيع، فمثلاً كان الكثير منهم سرق شاشات الحاسبات دون الملحقات الأخرى الضرورية، لأنه اعتقد ان الحاسبة مثل التلفزيون مجرد شاشة فضلاً على بيع تجهيزات طبية ومختبرية وأجزاء من مكائن وأجهزة، لا يعرفون أسماءها أو استخداماتها!.

طرفة: سألت عجوز ابنها عن معنى (الديمقراطية) فلما عجز عن تفسيرها بأسلوب مفهوم لها، قال: الديمقراطية يعني أن يتبدل الرئيس كل 4 سنوات، وهنا قالت العجوز: افتهمت، يعني كل أربع سنوات يصير عدنه فرهود.

ثالثاً: إسرق وأحرِق



انتشرت الحرائق في معظم الدوائر الحكومية الرئيسة، وكان الاقتصار على حماية مبنى وزارة النفط في بغداد إشارة للغوغاء والمخربين، بأن المباني الأخرى غير محمية ولا يعير لها الجيش الأمريكي أي اهتمام!.

كل مَن قرأ عن مشروع البنتاغون والذي سمي بـ (العام رقم صفر) يدرك ان ما ورد فيه من الدعوة إلى حرق العراق بالنار والحديد ليعود إلى الصفر لتحال أعمال الاعمار إلى الأمريكان، يدرك ان (الحرق) ليس تشبيهاً أو استعارة!. ومع ذلك فإن وثائق الدولة العراقية التي تحفظ حقوق الناس وأعمالهم مثل سجلات ووثائق الملكية العقارية، والسجلات التجارية وعوائد الضرائب والأحوال الشخصية والوثائق والشهادات وعقود بين الدولة والمواطنين وغير ذلك جرى الحفاظ عليها ولم تُمس لحسن الحظ وقد اشار الموظفين الى انه كان يجري حفظها في مخازن خاصة لحمايتها من الحرائق..
اما عمليات حرق دوائر التسجيل والإحصاء والنفوس في كركوك تحديداً فقد ارتكبته قوى عراقية داخلية ذات مصلحة محلية وواضحة في ذلك وله اهداف منظمة وسياسية. .

الكاتب كان شاهداً على عمليتي حرق في الرصافة تمت على الرغم من وجود قوات أمريكية قريبة، في الحالة الأولى عندما صعدت مجموعة مكونة من عدة أشخاص فوق بناية بدالة زيونة (حي الضباط) وبدأت بسكب مواد حارقة على البناية، والحالة الثانية جرت في بناية وزارة التعليم العالي بالقرب من ساحة الطيران إذ كانت مجموعة من المخربين في الطوابق العُليا يمكن رؤيتهم يتحركون وهم يشعلون النار وينتقلون من طابق إلى آخر فيما كانت مجموعة من الجنود الأمريكان يجلسون في كشك على باب الوزارة وهم يتمازحون!.

عملية الحرائق انتشرت بشكل واسع منذ 12/ نيسان/2003م ولعل أول الأهداف كان إشعال النار في الطابق العلوي لبناية البنك المركزي، ومبنى الإذاعة والتلفزيون في الصالحية والطابق الأرضي لوزارة العدل، ومبنى وزارة الإعلام.
دمرت وزارة الإعلام بعد حرقها، ومثلها جرى لبناية التخطيط والتجارة والأسواق المركزية (28 نيسان) التي سوّيت بالأرض ودائرة السينما والمسرح التي أحرقت أكثر من مرة وقد جرى سرقة المكتبة الهائلة من الافلام فيها التي تشكل ذاكرة العراق، وقسم منها جرى نقله الى المنطقة الكردية وكانت مخزونة في الطابق الارضي الذي امتلئ بالمياه مما سمح بإخفائها فترة عن اعين العصابات الاولى، على الرغم من تعرضها للضرر. ودارة.، ومبنى دائرة الجنسية تعرضت للاحتراق مرتين، ووزارة التعليم العالي ثلاث مرات، وفي أكثر من حالة شوهد مترجمون يصاحبون القوات الأمريكية يدعون الناهبين إلى الإسراع في نقل الممتلكات العامة، قبل الحرق! وتظافرت شهادات على ان غالبية أولئك المترجمين كانوا يتحدثون بلكنة كويتية ولبنانية.
أما وزارة النفط فقد أجَّل حرقها، فقد نشب فيها حريق جاء على الطابقين الثاني والثالث (الحسابات) حتى تداول الموظفون نكتة تقول: ان وزارة النفط (حوسمت نفسها بنفسها).

ومع ما ذكرنا فإن لحرق المباني الحكومية أكثر من سبب وتختلف الأسباب باختلاف الفاعلين ما بين مجموعات منظمة تتحرك بحرية، ودون أن تمد يدها لتسرق موجودات تلك البنايات والدوائر، فيما أحرق بعضها الناهبون أنفسهم.

ومثلما كانت تبريرات النهب والتدمير حاضرة فإن للحرائق مَن يبرر لها فقد كتبت صحيفة الشرق الأوسط ان: سكان بغداد الذين يعتقدون ان مبانيهم العامة أحرقت بشكل منظم كمحاولة يائسة من نظام صدام (!) وهم متفقون بأن ما تم كان مسعى للتخلص من عقود من الأسرار والأدلة التي تؤكد التعذيب6 ولم يكلف المندوب أو المحرر نفسه للإجابة على سؤال بديهي هو: هل تحتوي بنايات الأسواق المركزية والبدالات والوزارات والدوائر الخدمية والثقافية على أدلة على التعذيب؟!.

ظاهرة الحرق استمرت وشملت أهدافاً أخرى مثل حرق بساتين النخيل والفاكهة في محافظات ديالى والبصرة وواسط وغيرها .. وقد ذكرت شبكة أخبار العراق في تحقيق نشرته في 3/4/2008م بأن السكان أكدوا ان (عصابات إجرامية جاءت من إيران والكويت هي التي أشعلت الحرائق بمواد حارقة سريعة الاشتعال)7. ومن المحتمل انها مزارع لاعضاء متنفذين في حزب البعث وقياداته او انتقاما من مسؤولين سابقين.

رابعاً: علي بابا وطالبان



ميزَ جنود الاحتلال بين الشيعة والسُنّة في العراق إنطلاقا من الاخطار الضمنية التي يشكلونها عليهم ، حسب حسابات اللحظات الاولى وانعكس ذلك في تسميتين مختلفتين . فعندما كانوا يوقفون شخصا يكتشفون انه شيعي ينادونه (علي بابا) ، أما حين يوقفون شخصا يكتشفون انه سُنّي فإنهم ينادونه بـ (طالبان) الامر الذي يعكس حساباتهم السياسية في اللحظات الاولى لخلط الاوراق!
وللاسف لن تكون متجنياً بالقول ان غالبية أبطال الحواسم –في بغداد تحديداً- كانوا من الشيعة من مدينة الثورة (الصدر المنورة) والشعلة والحسينية وأبو دشير والأمين وغيرها، حيث يسكن اغلب فقراء بغداد من الفلاحين المعدمين الذين هاجروا مناطقهم لانعدام العمل ، وهي مناطق كانت في البداية صرايف. لذلك ليس من المستغرب ان كاتب يساري يكتب مقالة له نشرها على الانترنت بكلمة (مأثورة) لفردريك انجلز مؤسس المادية الجدلية، هي: (مستحيل أن يتصرف شعب مضطهد بلباقة)8 وقد صدرت فتاوي عن المرجعيات الشيعية سطرت على الجدران تقول: تمنع السرقة بأمر المرجعية، على اثرها قام الشراق الصغار بطإرجاع بعض المسروقات لتمتلئ الحسينيات والجوامع بمسروقات عائدة لااحد يدري لمن عادت، -align: justify; line-height: 175%;">وحتى عدا عن إن الكثير من المواد التي أعيدت إلى الحسينيات كانت ناقصة فمبردة الهواء المنهوبة مثلا أعيدت بدون (ماطور) أو (مضخة ماء).

في أيار 2003م صدرت فتوى اذيعت في الحسينيات أجيز فيها لمَن نهبوا وسرقوا وفرهدوا أن يحتفظوا بما نهبوه بحجة (مجهولية المالك) طالما دفعوا الخمس لمكاتب الصدر، تلك الفتوى أطلقت عليها تسمية (فتوى الحواسم)9 . وقد قيل ان الفتوى صدرت عن مقتدى الصدر الذي كان يدين بالولاء لمرجعية آية الله كاظم الحائري. والمكاتب التي منحت لها صلاحية استلام (غنائم) الناهبين التائبين كانت تماطل في إعادة تلك المنهوبات وجرت مساومات ومقايضات وبيع وشراء للكثير من تلك المواد مما يعلمه الجميع.




وجه أحد الموالين سؤالاً أو استفتاءاً إلى آية الله كاظم الحائري مرجع الصدريين بعد الاحتلال، جاء فيه: (يدعي بعض المتصدين ان سماحة السيد الحائري –دام ظله- يجوّز التعامل بالمواد المسروقة أثناء عمليات النهب والسلب عند سقوط النظام المقبور وانها شرعية بعد تخميس مبالغ البيع، فما صحة ذلك؟) فجاء رد آية الله: (لم يصدر منا شيء من هذا القبيل وإنما صدر عن وجود الرجوع العامة للمسلمين، أو قل من مجهولية المالك الراجع أمرها إلى الفقيه) والكلام يغني عن التعليق.

لقد تكدست الأموال المنهوبة في المكاتب التي أنشأت مكاتب لاستعادة تلك الأموال سميت (مراكز إعادة الأغراض المسروقة) وكان الغطاء الشرعي الممثل بـ مجهولية المالك غطاء مناسباً لتصرف، فمَن أراد شراء جهاز كهربائي مثلاً يذهب إلى المركز ويدفع خمس المبلغ ويأخذ ما يريد!. ومن صنف التبريرات ما كان يردده اللصوص ومَن يبرر لهم بأن ما أخذوه (هو حصتي من النفط) أو انه (مال ليس له صاحب) أو (إن لم آخذه فسوف يأخذه سواي)!
هذا فضلاً عن ان المأخوذ هو جزء من سداد المظلومية والحق في موارد البلاد وغير ذلك!.

الغريب انه حتى مؤسسات دينية شيعية لم تسلم من ظاهرة اغتصاب المال العام ، فقد لاحظ سكان النجف مثلاً انه في الوقت الذي يقوم فيه الحزب الشيوعي العراقي بإستأجار بناية ليتخذها مقراً له يقوم معممون آيات وما دونهم بالاستيلاء على مباني الدولة. وقد أسست في النجف جمعية اسمها (التحدي في النجف) تقول انها استرشدت بـ فتوى آية الله العظمى السيستاني بحرمة التجاوز على ممتلكات الدولة، فقامت بحملة جمع تواقيع من مواطني المحافظة يطالبون فيها الجمعية الوطنية بإعادة النظر والتحقيق في أملاك الدولة التي تم بيعها أو تمليكها لأشخاص أو واجهات معينة، وعبارة (واجهات معينة) يمكن ان يكون المقصود منها المجلس الأعلى وما قام به عبد العزيز الحكيم وابنه، وقياديون في المجلس من الاستيلاء على بنايات عامة وأراضي تابعة للدولة. وحتى الصدريين استولوا على مباني عامة وحولوها الى مقرات لهم بما فيه مكتبات عامة في بغداد.

كتب مراسل صحيفة الشرق الأوسط في النجف، بمناسبة الذكرى الخامسة للاحتلال عن فترة النهب تلك بأنه (نادراً ما شاهدت في النجف أي شخص لا يحمل بيده كرسياً أو تلفزيوناً أو جهاز تبريد أو طاولة قد سرقها من مكاتب الحكومة، ولاحظ في المقال نفسه ان الأهالي كانوا مترددين في البداية من أخذ المال العام فبدو متفرجين ومترددين وقال: ان أحد الشباب قال له –قبل مد الايدي إلى المال العام- : لقد صدرت فتاوى بتحريم المساس بالمال العام .. ثم كيف لنا أن نتأكد ان صدام حسين انتهى)، ويبدو انهم بعد التأكيد من نهاية صدام حسين زال منهم التردد فحملوا الكراسي والتلفزيونات .. الخ10.

كتب شاعر عراقي مقالة بعد أيام من الاحتلال دافع فيها عن (الفرهود) قائلاً ان: (الناس لم يسلبوا سوى مبانٍ حكومية بحتة)11 وهذا الشاعر عضو في اتحاد الأدباء وعضو تحرير مجلة ثقافية (ذلك يعني انه بالضرورة بعثي) ، فيما كان أصحاب له يلصقون مسؤولية ما جرى بالنظام السابق إذ ان أبطال الحواسم هم من انتاج النظام الساقط 12!.

Come on Alibaba ... Take it Its Yours !
و ... هذه حصتكم من النفط التي حرمكم منها صدام!

هذه هي الهتافات النمطية التي كان الجنود الأمريكان ينادون بها على النهابين المتجمهرين حول المنشآت والدوائر والمصانع والمخازن، وهي هتافات سمعها الكثير من العراقيين وفهموا منها ان محو الدولة العراقية القديمة من اهداف الاحتلال الأمريكي. وفي حالات أخرى كان المترجمون وهم من جنسيات عربية هم الذين يتولون تقديم الدعوة إلى النهب، قبل أن تحرق الموجودات وتذهب طعاماً للنار، والصورة الثالثة أن يقف جنود الاحتلال يتفرجون على قطعان الغوغاء أو يصورونهم وهم يتراكضون إلى المباني ويخرجون حاملين (الغنائم) رافعين بأيديهم علامة النصر.

حدث مرات عديدة ، عندما تحول الناهبون إلى نهب الممتلكات الخاصة -مخازن ومعامل ومعارض- ان وجدوا صاحب المال متأهباً للدفاع عن ممتلكاته، فتفتق ذهنهم عن مخرج إذ يذهب وفد منهم إلى الجنود الأمريكان مدعيين ان صاحب المال هو عنصر من عناصر فدائيي صدام. ومن المحتمل ان هذه الحيلة بدأت بقضية حقيقية، إذ لايستبعد ان يكون فدائيي صدام تجارا واغنياء ولديهم القدرة على الدفاع عن ممتلكاتهم. نشرت صحيفة الحياة في موقعها على الانترنت ان السلابة يحرضون أحياناً على صاحب المال، مثلما حدث في القصة التي نشرتها وكالة فرانس برس، ان صاحب أحد المتاجر كان يحمي متجره فذهب السلابة إلى الجنود الأمريكان وأخبروهم بأنه من "فدائيي صدام" فقتله الأمريكان في الحال13.

الأمر بالطبع لا يقتصر على الجنود والضباط، بل هو سياسة مقصودة كما يبدو، تذكر الكاتبة الأمريكية المعارضة لسياسة الإدارة الأمريكية "نعومي كلاين" عن بيتر ماكفرسن كبير المستشارين الاقتصاديين لحاكم الاحتلال بول بريمر، انه لم ينزعج لمرأى نهب ممتلكات الدولة، كالسيارات والشاحنات ومعدات الوزارة المختلفة، فالأمر بالنسبة له كمسؤول أساسي عن العلاج بالصدمة الاقتصادية، كان يعني تقليص حجم الدولة وخصخصة ممتلكاتها، وبالتالي فإن الناهبين إنما أعطوه انطلاقة البدء بالعمل فحسب، وطريقة للتخلص من ممتلكات قديمة بإمتلاكها من مواطنين فقراء عانوا عصورا، فترفع مستوياتهم مؤقتا الى عودة الاجهزة الحكومية للتأثير. ويذكر ماكفرسن انه رأى في النهب نوع من الخصخصة تحدث بشكل طبيعي.14.

أما الناطق باسم البيت الابيض "آري فلايتشر" فقد صرّح في 12/نيسان/2003م بأن عمليات النهب التي تتعرض لها بعض المدن العراقية من قبل مواطنيها بعد أن سقطت سلطة النظام العراقي سوف تتوقف حال تعزيز الوضع الإنساني في العراق، مضيفاً في مؤتمر صحفي (ان ما نراه هو نوع من التعبير عن الإحباط الذي عاشه العراقيون على مدى ثلاثة عقود على يد النظام) 15.

وزير الدفاع رامسفيلد قبل أن تُثار ضجة دولية بعد نهب كنوز المتحف العراقي، قال مبرراً أفعال الناهبين بأن: (لا أحد يشجع على النهب لكن علينا أن نتفهم الاستياء والكبت الناتج عن عقود من القمع الذي يشعر به الأشخاص الذين قتل أقارب لهم على يد نظام صدام حسين، مضيفاً: ان العراقيين قاموا بنهب "رموز السلطة" بشكل خاص لا سيما القصور الرئاسية ومقرات حزب البعث)16

أما البريطانيون فقد سوّغ الناطق باسم رئيس الوزراء البريطاني عمليات السلب والنهب واصفاً الاعتداء على مستشفيات في بغداد بأنه: (موجة ضد المستشفيات التي كانت مخصصة للنخبة في النظام ) 17.

ولم يقتصر الأمر على موجودات الدولة العراقية والبنى التحتية لها، لكنه تعدى إلى ملفات خطرة مثل نهب مؤسسة القعقاع العسكرية، نقل مدنيون ذخائر شديدة الانفجار في عجلات (بيك آب) صغيرة، وكانت ذريعة الجيش الأمريكي في عدم تدخله لإيقاف العملية ان عدد (اللصوص) كان أكثر منهم 18.

لقد واجه الأمريكان وضعاً محرجاً للغاية بسبب التراخي في حماية المدنيين والممتلكات العراقية، لكنهم تجاوزوه ولم يلتفتوا إلى صراخ الأمين العام للأمم المتحدة الذي ذكرهم بواجبات دولة الاحتلال، لأنهم أهملوه وأهملوا سواه وغزو العراق، ولم يكلف وزير الدفاع الأمريكي رامسفيلد نفسه ليبحث عن أعذار مقنعة يرد فيها على الانتقادات الدولية الواسعة بعد نهب المتحف العراقي، سوى قوله:
لا أحد يحب ذلك –أي السرقة- لا أحد يسمح به، لكنه يحصل وهذا مؤسف ويجب إيقافه بقدر الممكن لكن بحصوله في ساحة حرب، فمن الصعب إيقافه.

([1]) تقرير منظمة "امنستي" : العراق .. السلب والنهب وانعدام القانون.

([2]) سميرة رجب ، مقال في موقع التجديد العربي ، نشر في 8/تموز/2003م.

([3]) موقع وكالة رويترز ، 11/نيسان/2003.

([4]) المصدر السابق نفسه.

([5]) تصريح لمتحدثة باسم منظمة الصحة العالمية ، وكالة رويترز 11/نيسان/2003م.

([6]) صحيفة الشرق الأوسط ، العدد 8917 ، في نيسان 2003م.

([7]) شبكة أخبار العراق ، 3/نيسان/2008م.

([8]) د. عبد الخالق حسين ، مقالته (الخراب البشري في العراق) ، موقع عراق الغد ، 2006م.

([9]) مجموعة الأزمات الدولية ، (مقتدى صدر العراق).

([10]) صحيفة الشرق الأوسط ، العدد 10725 في 9/نيسان/2008م.

([11]) عبد الخالق كيطان ، اللحظة التي انتظرتها طويلاً ، موقع إيلاف ، 9/نيسان/2003م.

([12]) د. قاسم حسين صالح ، سايكولوجيا عراقية.

([13]) موقع جريدة الحياة على الانترنت ، نقلاً عن وكالة الصحافة الفرنسية ، 11/نيسان/2003م.

([14]) أنظر محمد عارف ، أهوال الصدمات .. هل تمحو ذاكرة العراقيين؟.

([15]) وكالة الأنباء الكويتية ، 12/نيسان/2003م.

([16]) المصدر السابق نفسه.

([17]) موقع إيلاف على الانترنت ، 11/نيسان/2003م.

([18]) الشرق الأوسط ، تشرين الثاني 2004م لعدد 9475.


http://www.alzakera.eu/music/vetenskap/Historia/historia-0185.htm
مقولة جميلة : بدلا من ان تلعن الظلام .. اشعل شمعة