عالم الاحلام وقصصه الغريبة / شمعون كوسا

بدء بواسطة matoka, ديسمبر 23, 2013, 04:48:28 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

matoka

عالم الاحلام وقصصه الغريبة







برطلي . نت / خاص للموقع



عالم الاحلام عالم غريب ، حواسُّ الانسان ترقد عند النوم فتمسي شبه ميّته ، فتتقدم نحوها الاحلام بهدوء وتبثّ فيها الحياة من جديد . عند النوم ، توصِدُ الأبصارُ أبوابَها وتغلق الآذان مسامعها ، فتأتي الاحلام غير آبهة بشئ ، تبدأ دوامها فاتحة أبواب مسرحها وكأنّ الشخص النائم  هو ممثلها المكلف باداء دور اضافي في الليل . يا تُرى ما هذه القدرة التي تمكّن الانسان من أن يرى ويسمع ، وينطق ويتحرك وقد ماتت كافة حواسه ؟

انا من بين الناس أحلم كثيرا ، والساعات الثمان التي اقضيها في النوم مشغولة باكملها بالادوار التي توكلها إليّ الاحلام ، غير اني غير قادر على خزن أكثر من أربعة او خمسة احلام أرويها في الصباح قبل ان يزول مفعولها . هناك من يقولون بأنهم لا يحلمون في الليل ، هؤلاء يحلمون ولكنهم لا يتذكرون احلامهم ، ومَثَلهم هو مَثل من يحضر عرضا سينمائيا وهو نائم في الصالة . الاحلام هي كالافلام السينمائية التي تعرض في صالات غير منظورة . فالعالم  يشهد ليليا عشرات المليارات من هذه العروض التي يحضرها كل انسان ، احلام نراها طويلة ، غير ان بعضها لا يستغرق اكثر من دقيقة او دقيقتين. 

لقد اعتدتُ على استهلال أكثرية مواضيعي ببعض الروايات والقصص ، فالقصص هنا هي نماذج مختصرة لبعض احلام  حضرت عروضها في منامي ، واذا  جمعتها كلها ، فانها تعادل عروض ليلتين فقط .  لقد انتقيتها منوّعة ، فجاءت كالتالي  :
رأيت نفسي مرّة وسط قوم قد افترشوا الارض وجلسوا بشكل دائري حول كؤوس يحتسون الخمرة . كان القوم قد طابت نفوسهم فبدأوا يغنّون ، جذبني الحشد المنطرب ،  فجلست معهم دون الحاجة الى مناداة او دعوة ، لم أجد نفسي غريبا بينهم ، واصبحتُ تلقائياً أحد ندمائهم ،  فبدأت اشاركهم المأكل والمشرب والغناء . كان السّجال محتدما في الغناء وكلّ نديم ينتظر دوره لاضافة مسحته على اللحن والموّال . عندما بلغني الدور ، انطلقتُ بقوّة وشرعت بالارتقاء قليلا فقليلا إلى ان بلغت الطبقات العالية . لم أقطع الغناء الا عندما قامت زوجتي بفتح الباب للجيران وعادت تقول  لي : ما بالك تحلق بهذا الصوت العالي ، لقد نزل الجيران مستغربين وطلبوا مني خفض صوت المذياع لانهم لا زالوا نائمين . كان صوتي قد تجاوز حدوده وخرج من نطاق الحلم دون علمي ، فاستيقضتُ من حلم كان اشبه بالافلام ثلاثية الابعاد أو رباعيتها .

وفي حلم آخر ، رأيت نفسي وقد جمعتني الاقدار مع جدي شابونا ، والد أمّي . فرحتُ كثيرا للقائه لانه كان جدّي وايضا لانه كان شخصا طيب القلب وخفيف الظل ويحب الناس لا سيما من كان بينهم منشرح الصدر . كان يجنح لمعاشرة الناس ومشاركتهم افراحهم ، ولا ينزعج ابدا اذا تزينت افراحهم ببعض كؤوس نصف مملوءة من النبيذ !!  كان قد توفي منذ عشرين سنة . عندما رآني عانقني بقوة وقال : أهلا بك يا حفيدي العزيز ، لا تقل لي بانك قصدتني هنا بيد فارغة ؟ كيف لم تفكر بجلب قنينة خمر معك لجدّك الذي أحب الكرمة وعصائرها المختمرة ؟ قلتُ له ، يا جدّي العزيز ، ألم تغادرنا الى العالم الثاني ؟ ألا زلت تشرب هنا ؟ أيسمحون لك بذلك ؟  قال لي ، هذا ليس من شأنك ، اذهب وأحضر ما طلبتُه منك. تركته وانطلقت هائما على وجهي ، لاني  لم اكن اعلم اين كنت وكيف وصلت مقرّ جدي . كنت اقول في طريقي ، لماذا ارغمني على العودة الى البيت انا الذي كنت قد قطعت هذه المسافة . وكنت استغرب ايضا قائلا : أيُعقل بان جدي لم ينس الشرب حتى في هذه الجنّة ؟  لحسن الحظ ، اسعفني  مُخرج الحلم  بايصالي الى البيت بسرعة . اتجهتُ حالا الى الموضع الذي كنت قد خزنت فيه قناني الشرب غير اني لم اجد شيئا .

أمضيت الليل بالتفتيش في ابعد الزاويا ، وحاولت ان ابتاع الخمرة من المخازن غير المغلقة ، غير اني لم احصل حتى على ربع قنينة . انتهى حلمي في الصباح  دون تحقيق امنية جدي . أفقت في الصباح ،  وبالرغم من تيقني باني كنت في حلم ، سألتُ زوجتي قائلا : اين وضعتي قنانيَ الشرب ، هل قمت بتغيير موضعها ؟ قالت لي انا لم احرك ساكنا ، وما لي ومشروباتك ؟ فاضطررت لسرد قصة الحلم ووصف لقائي  مع جدي الذي لا زال ينتظر قنينة الخمر !!

في حلم آخر سردَتْه لي والدتي .  كنا نائمين فوق السطوح في الصيف ، وسطوحنا كانت قديما دون حواجز عند حافاتها . قمت ذات ليلة وانا نائم وبدأت السير عند ابعد حافات السطح وبقيت على هذه الحال لمدة خمس دقائق . قالت لي والدتي بانها كانت قد وضعت يدها على قلبها وحبست انفاسها ، كانت ترغب في مناداتي كي أعود الى الفراش غير انها كانت تخشى ألّا افزّ من النوم واهبط من فوق السطح .  بقيتِ الام تبتهل الى الله كي يمسك بيدي ويلهمني بضرورة العودة الى منامي ، وفعلا عدت الى المنام دون اية مشكلة . طبعا في الصباح عندما روت لي الحادثة لم اتذكر منها شيئا .

وفي نفس السياق ، هناك صديق اعرفه ، تقول عنه زوجته بانه كان ينهض عدة مرات في الاسبوع وهو نائم ليقوم بحركات غريبة تستغرق أربع دقائق . يتوجه الى الحائط ويبدأ بعملية قطف الخضراوات . في اليوم الاول ، معتبرةً إياه واعيا ومستيقضا ، سألته زوجته عمّا يقوم به ، أجابها وهو نائم بانه يقوم بقطف الفاصوليا !! بعد انتهاء القطف كان يعود الى فراشه .

حلمت مرّة أخرى وانا في شمال العراق . بعد ان امضيت بعض الوقت مع الاهل ، قمت لاغادر المنطقة ، ذهبت ابحث عن معطفي فلم اجده ، وبعد ثوان رأيت نفسي  حافيا ونصف عار . وأنا في حيرتي هذه ، رأيت باني في مكان آخر وأن الجميع قد اختفوا . بدأت انتقل من مدينة الى مدينة ومن بلد الى بلد . في لقطة من مساري هذا الذي لم يستقر على وتيرة واحدة ، كنت أقود سيارة . توقفت لشراء حاجة بسيطة ، وعند عودتي لم اعثر على السيارة لان الموقع كان قد تغير . لا أعلم كم استغرق الحلم ، هل كانت ثوانٍ أم دقائق ؟! ولكني كنت كالذي امضى شهورا طويلة في هذه الحالة غير المستقرة التي لم اكتشف طبيعتها الخيالية بسعادة فائقة ، الا عند الصباح .

وفي الكثير من مثل هذه الاحلام  ، كنت ارى نفسي مثلاً ، على مرتفع شاهق على وشك السقوط ، أو أكون بين يدي قطاع طرق اختطفوني ويهمّون في قتلي ، او اجد نفسي أحيانا متورطا في جريمة وقد القي القبض علي  . كان صراخي العالي ، من شدة الخوف ، هو الذي يضع حدّا للعذاب فاستعيد وعيِ لدقائق ، واذا دُعيت للعب دور من هذا النوع في ما تبقّى من الليل ، لا انتهي من معاناتي ، أم أتوصل الى حلّ لمضايقاتي ومطارداتي إلا  ساعة النهوض في الصباح .

الاحلام منوّعة ، نلتقي فيها بموتانا وكأنهم قد عادوا ولم يموتوا اصلا ، هناك احلام تجعل اصدقاءنا ينقلبون اعداء وبالعكس ، وفي الكثير من الحالات هناك امنيات أو رغبات عارمة شبه مستحيلة تتحقق فتسعدنا طيلة الليل ، وبانتهاء الحلم يزول الفرح. 

لقد قيل الكثير عن الاحلام ، لقد اعتبرها البعضُ نبوءاتٍ وآخرون أعاجيبَ  أو أحداث خارقة تحمل معاني وتفسيرات ، هكذا كان الاعتقاد في السابق والكتب ملأى بهذه الروايات ، غير اني اقول بان الحلم ليس سوى انعكاس لما نعيشه ، وما نفكر به ، وما نتمناه في يومنا الحاضر او في ايامنا التي مضت . ان ما تره اعيننا ، وتتأثر به ، او تفكر فيه ، يعود وقد أعيدت صياغتُه في الليل بشكل غير منتظم ، يأتي احيانا كما نتمناه واحيانا كما نخشاه .
قد تتحقّق بعض الاحلام ، مثل حلم القائد الذي وجد نفسه في النوم منتصرا في معركة كان عليه القيام بها في الصباح الباكر ، فاحرز النصر فعلا ، او الشخص الذي حلم بانه زوجته ستلد ولدا وفعلا انجبت له الوريث. انها محض مصادفة ، لانه ليس لقائد الحرب سوى احتمالين ، ان ينتصر او يندحر ، والولادة ايضا تنتهي باحتمالين فقط ، طفل او طفلة . إنه الحظ هو الذي حالف الحالِمَين ، والدليل على ذلك انه اذا صادف وان لم يتحقق حلمهما ، كان الموضوع سيبقى طي النسيان ولا يأتي احد على ذكره .

بالرغم من كل هذا ، يبقى أمرُ بعض الاحلام غريبا جدا ، لاننا نكون شهودا في الحلم على أحداث قد طواها الزمن وأمر بمحوها ، كأنْ نلتقي مثلا اشخاصا لم تقع عليهم انظارنا الا مرة واحدة قبل عشرات السنين ولمدة دقائق معدودة ، أو نجتمع مع اشخاص مهمين لا نمتّ اليهم بأية صلة ، أو حالات أخرى اكثر غرابة . فهل إن اللاّوعي هو الذي يستغل نومنا ليلعب على هواه ، كالولد العقوق الذي ينتظر خلود والديه للنوم ليلعب ويعبث دون انتظام فيفتح السجلات القديمة المختومة بالشمع ويّتجه الى صفحاتها المهملة القديمة ؟  موضوع شيق وعميق وفيه الملايين من القصص .







Matty AL Mache