قبلة الحياة ومجهولة نهر السين !! / د.تارا ابراهيم

بدء بواسطة matoka, نوفمبر 25, 2012, 07:10:34 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

matoka

قبلة الحياة ومجهولة نهر السين !!






د . تارا ابراهيم علي
الاحد 25 نوفمبر، 2012‏




في الرابع من تشرين الثاني ، نشرت جريدة لوموند مقالا بعنوان " المرأة الأكثر تقبيلا في العالم"، ما أثار فضولي ودفعني لاتعرف من تكون هذه المرأة، الا انها وللأسف كانت مجهولة الهوية بالرغم من ان الجميع يعرفها بطريقة أوبأخرى . فشكلها مألوف لكل من يعمل في عمليات الانقاذ التي من شأنها اعادة الحياة الى المصابين بضيق التنفس او الذين يتعرضون الى الغرق....الخ

فرنسا دولة وفية بل وفخورة بكل من صنع ويصنع تاريخها باسهامة صغيرة أو كبيرة، من معروف أومجهول، وهي ان لم تمنحهم نوط الشرف دائما فهي تخلد ذكراهم بطرق بسيطة ومعبرة، ففي كل بقعة من أرضها هنالك تذكار أو نصب صغير لأناس كانوا أبطالا بشكل أو بآخر، نذكر مثلا وضع نصب صغير و باقة ورد في زاوية من زوايا الشوارع التي تقع فيها الحوادث مع شرح بسيط ، و يمكن أن نقرأ التالي" ( في هذا الشارع قتل الشرطي فلان أثناء تأدية واجبه الوطني) و في ذات المكان  توضع باقة من الورد  يتغير لونها وشكلها كل يوم.

أما هذه المرأة فقصتها التراجيدية أصبحت أسطورة تعتز بها فرنسا، كامرأة ميتة تنقذ الأرواح، انها قصة امرأة ستبقى الى الأبد بدون أسم ولا هوية, أسرارها مجهولة كـ (نهر السين ) . ففي نهاية القرن التاسع عشر، وفي مشرحة تقع في قلب العاصمة الفرنسية  كانت كانت تعتبر من الأماكن المشهورة في ذلك الوقت،  كان العشرات بل المئات من الناس يتوافدون  كل يوم عليها يفصلها عنهم جدار زجاجي،  والمشرحة كانت تعرض جثث مجهولة الهوية للعامة كعرض مسرحي مرمية على قطع من الرخام الأسود عليها. هذه الجثث يتم العثور عليها في المناطق العامة أو النائية او  يتم أنتشالها من نهر السين على أمل أن يتعرف عليهم أحد ما من المشاهدين.

الى هذا المكان وبالتحديد في عام 1880 يؤول مصير جثة امرأة تم العثور عليها في نهر السين الذي يخترق العاصمة الفرنسية،  وبعد فحص الجثة اتضح أنها لاتحمل آثار عنف أو قتل فيغلق الطبيب الشرعي ملفها الطبي و يستنتج أنها حالة انتحار. جمال هذه المرأة وابتسامتها الملغزة يفتنان موظفا كان يعمل في هذه المشرحة في ذلك الوقت الى حد أنه قام بصنع قناع شبيه لوجهها، هذه الغريقة ذات الابتسامة المماثلة لابتسامة موناليزا ذاع صيتها وتم بيع  قناعها كالخبز في باريس.

قناع هذه المرأة ذات الوجه المطمئن الى الموت بات يأخذ شيئا فشيئا  بعدا أسطوريا وجماليا الى درجة أنه يتحول الى ديكور يزين به الناس منازلهم، من هنا انتشر القناع ليعم أرجاء أوربا ويفتنها وتصبح صاحبته مصدر الهام الكتاب والشعراء . في عام 1931    كتبت حكاية عن مجهولة نهر السين  تدور حول الأفكار التي كانت تراود رأسها والمياه تجري بها. هذه المرأة التي لم تعرف أن ابتسامتها التي تشع من على وجهها  هي ابتسامة مشرقة ومثيرة للاعجاب أكثر من ابتسامة  فتاة حي .

ومن المفيد معرفة أن قناع مجهولة نهر السين كان رمزا بل وأيقونة النصف الأول من القرن العشرين، وعلى الرغم من أن الكثيرين لايتذكرونها في يومنا هذا، فالموت الهادئ والمبتسم على وجهها تم تناقله عبر الاجيال من خلال وسيلة فريدة من نوعها. ففي الخمسينيات، اقترح النرويجي أسموند ليردال من مواليد عام 1914  مؤسس شركة الألعاب البلاستيكية المرنة، صنع دمى بلاستيكية للعاملين في مجال الانقاذ وخصوصا طريقة الانعاش القلبي والرئوي (بطريقة الفم بالفم أي قبلة الحياة مع تدليك موضع القلب). 

كان ليردال مطلعا على قصة مجهولة نهر السين وقناعها، والتي ألهمته صنع دمية حجمها بحجم الأنسان  ليرشد المنقذين الى طرق الانقاذ والانعاش بشكل أفضل. متأثرا بموت هذه المرأة  التي كانت في ريعان شبابها، فقام بصناعة نموذج من الدمى ذات وجه مقنع بقناع مجهولة نهر السين واطلق عليه  اسم "آن المنقذة" التي تعرف بهذا الأسم الى يومنا هذا وتستخدم في اوربا وبعض دول العالم .

تم اطلاق  دمية (آن المنقذة ) عام 1960 لتحقق نجاحا واسعا في ميدان الاسعافات الأولية، فهذه الدمية وعلى الرغم من مرورأكثر من نصف قرن على صنعها، و تحديثها وتغييرها على مر الزمن الا أنها لاتزال تحتفظ بوجهها الفاتن !!. ان المفارقة لمحزنة الى حد القول أنه تم انقاذ مئات الألاف من الأرواح من قبل المسعفين المتدربين على قبلة الحياة على وجه امرأة ميتة، وهكذا وبهذه الطريقة فمجهولة نهر السين التي نسبت اليها عشرات قصص الحب الغامضة والوهمية بقصد الوصول الى معرفة سبب انتحارها ، أصبحت المرأة الأكثر تقبيلا في العالم.




برطلي . نت / بريد الموقع












Matty AL Mache